اقتضاء جهة الذات، ومقدار يحاط بجميعه أو ببعضه إذا كانت الرؤية بصرية، فلا جرم أن يعد الوعد برؤية أهل الجنة ربهم تعالى من قبيل المتشابه».
" ولعلماء الإسلام فى ذلك أفهام مختلفة، فأما صدر الأمة وسلفها فإنهم جروا على طريقتهم التى تخلقوا بها من سيرة النبى ﷺ من الإيمان بما ورد من هذا القبيل على إجماله، وصرف أنظارهم عن التعمق فى تشخيص حقيقته وأدرجه تحت أحد أقسام الحكم العقلى، فقد سمعوا هذا ونظائره كلها أو بعضها أو قليلا منها، فما شغلوا أنفسهم به ولا طلبوا تفصيله، ولكنهم انصرفوا إلى ما هو أحق بالعناية وهو التهمم بإقامة الشريعة وبثها وتقرير سلطانها، مع الجزم بتنزيه الله تعالى عن اللوازم العارضة لظواهر تلك الصفات، جاعلين إمامهم المرجوع إليه فى كل هذا قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١).
أو ما يقارب هذا من دلائل التنزيه الخاصة بالتنزيه عن بعض ما ورد الوصف به مثل قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (٢) بالنسبة إلى مقامنا هذا مع اتفاقهم على عدم العلم بتفصيل ذلك لا يقدح فى عقيدة الإيمان، فلما نبع فى علماء الإسلام تطلب معرفة حقائق الأشياء وألجأهم البحث العلمى إلى التعمق فى معانى القرآن ودقائق عباراته وخصوصيات بلاغته، لم يروا طريقة السلف مقنعة لأفهام أهل العلم من الخلف لأن طريقتهم فى العلم طريقة تمحيص وهى اللائقة بعصرهم، وقارن ذلك ما حدث فى فرق الأمة الإسلامية من النحل الاعتقادية، والقاء شبه الملاحدة على المنتمين إلى الإسلام وغيرهم، وحدا بهم ذلك إلى

(١) سورة الشورى الآية ١١.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon