الغوص والتعمق لإقامة المعارف على أعمدة لا تقبل التزلزل، ولدفع شبه المتشككين ورد مطاعن الملحدين، فسلكوا مسالك الجمع بين المتعارضات من أقوال ومعان وإقرار كل حقيقة فى نصابها، وذلك بالتأويل الذى يقتضيه المقتضى ويعضده الدليل، فسلكت جماعات مسالك التأويل الإجمالى بأن يعتقدوا تلك المتشابهات على إجمالها، ويوقنوا بالتنزيه عن ظواهرها ولكنهم لا يفصلون صرفها عن ظواهرها، بل يجملون التأويل، وهذه الطائفة تدعى السلفية تقرب طريقتها من طريقة السلف فى المتشابهات، وهذه الجماعات متفاوتة فى مقدار تأصيل أصولها تفاوتا جعلها فرقا فمنهم الحنابلة، والظاهرية والخوارج الأقدمون غير الذين التزموا طريقة المعتزلة» (١).
وما يلفتنا فيما ذكره ابن عاشور فى تفسير هذه الآية أن" ناظرة" من نظر بمعنى عاين ببصره إعلانا بتشريف تلك الوجوه أنها تنظر إلى جانب الله تعالى نظرا خاصا لا يشاركها فيه من يكون دون رتبتهم.
وراح يؤيد [الرؤية] بأخبار واردة عن الرسول ﷺ فما رواه البخارى ومسلم فى صحيحهما، ولكنها أخبار تعنى أن الرؤية رؤية عين، خصوصا ما رواه البخارى عن جرير بن عبد الله:" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته وربما قال: سترون ربكم عيانا".
وما أبهم علينا فيما ذكره ابن عاشور فى تفسيره لهذه الآية قوله:" فهذا معنى الآية بإجماله بظاهر القرآن"، ثم قوله بعد ذلك:" فدلالة الآية على الإجمال دلالة ظنية لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة".
فثبوت المعنى بظاهر القرآن- كما يقول- هو دلالة قطعية لا ظنية خصوصا إذا أيدته الأخبار الواردة عن أعلى مراتب الحجية والتوثيق.

(١) التحرير والتنوير ج ٢٩ ص ٣٥٣.


الصفحة التالية
Icon