الأرض فى قبضته ومن كانت السماوات مطويّة أفلاكها وآفاقها بيده تشبيه المعقول بالمتخيل، وهى تمثيلية تنحلّ أجزاؤها إلى استعارتين، فيها دلالة على أن الأرض والسماوات باقية غير مضمحلة، ولكن نظامها المعهود اعتراه تعطيل، وفى الصحيح عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول:
«يقبض الله الأرض ويطوى السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك، أين ملوك الأرض».
وعن عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد إنّا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع. فيقول أنا الملك، فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (١).
ويقول فى آخر تفسيره لهذه الآية:
«إنما كان ضحك النبى- صلى الله عليه وسلم- استهزاء بالحبر فى ظنه أن الله يفعل ذلك حقيقة وأن له يدا وأصابع حسب اعتقاد اليهود التجسيم، ولذلك أعقبه بقراءة" وما قدروا الله حق قدره" لأن افتتاحها يشتمل على إبطال ما توهمه الحبر ونظراؤه فى الجسمية، وذلك معروف من اعقادهم، وقد ردّه القرآن عليهم غير مرة مما هو معلوم، فلم يحتج النبى- ص- إلى التصريح بإبطاله، واكتفى بالإشارة التى يفهمها المؤمنون، ثم أشار إلى ما توهمه اليهودى توزيعا على الأصابع إنما هو مجاز عن الأخذ والتصرف» (٢).

(١) التحرير والتنوير ج ٢٤ ص ٦٣
(٢) المرجع نفسه والصفحة نفسها


الصفحة التالية
Icon