وقد أضيف إلى اسمه تعالى لفظ الوجه بمعان مختلفة منها ما هنا، ومنها قوله: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (١) وقوله: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ (٢).
وقد علم السامعون أن الله تعالى يستحيل أن يكون له وجه بالمعنى الحقيقى، وهو الجزء الذى فى الرأس.
واصطلح علماء العقائد على تسمية مثل هذا" المتشابه" وكان السلف يحجمون عن الخوض فى ذلك مع اليقين باستحالة ظاهرة على الله تعالى، ثم تناوله علماء التابعين ومن بعدهم بالتأويل تدريجا إلى أن اتضح وجه التأويل بالجرى على قواعد علم المعانى فزال الخفاء، واندفع الجفاء.
وضمير المخاطب فى قوله" وجه ربك" خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والمقصود تبليغه إلى الذين يتلى عليهم القرآن ليتذكروا ويعتبروا. ويجوز أن يكون خطابا لغير معين ليعم كل مخاطب.
ولما كان الوجه هنا بمعنى الذات وصف ب" ذُو الْجَلالِ"، أى العظمة" وَالْإِكْرامِ" أى المنعم على عبادة، وإلا فإن الوجه الحقيقى لا يضاف للإكرام فى عرف اللغة، وإنما يضاف للإكرام اليد، أى فهو لا يفقد عبيده جلاله وإكرامه، وقد دخل فى الجلال جميع الصفات الراجعة إلى التنزيه عن النقص وفى الإكرام جميع صفات الكمال الوجودية وصفات الجمال كالإحسان (٣).
وذكر الكشاف فى تفسيره هذه الآية:
" وَجْهُ رَبِّكَ" ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة والذات، ومساكين مكة يقولون:" أين وجه عربى كريم ينقذنى من الهوان"

(١) سورة البقرة الآية ١١٥.
(٢) سورة الإنسان الآية ٩.
(٣) التحرير والتنوير ج ٢٧ ص ٢٠٣، ٢٥٤.


الصفحة التالية
Icon