المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه ﷺ أحدث (١)، تقرءوه لم يشب (٢)، وقد حدّثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله، وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
القسم الثالث:
ما هو مسكوت عنه، لا من هذا، ولا من ذاك، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه، أو باطلا فنصدّقه، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم.
ولعل هذا القسم المراد بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم» (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (٣).
ومع هذا، فالأولى عدم ذكره، وأن لا نضيع الوقت في الاشتغال به.
وفي هذا المعنى ورد حديث أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار من حديث جابر: أن عمر رضي الله عنه أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب، وقال: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذّبوا به، أو بباطل، فتصدّقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى حيّا ما وسعه إلا أن يتّبعني».
قال ابن بطال عن المهلب: (هذا النهي في سؤالهم عما لا نصّ

(١) أي: آخر الكتب نزولا من عند الله سبحانه.
(٢) أي: لم يخلط بغيره قطّ.
(٣) العنكبوت: ٤٦.


الصفحة التالية
Icon