الله له في القرآن (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١).
وأما الدليل الثالث: فلو سلمنا أنه يدل على أن النبي ﷺ لم يفسر كل معاني القرآن، فلا نسلّم أنه يدل على أنه فسّر النادر منه كما هو المدعى.
اختيارنا في المسألة:
والرأي الذي تميل إليه النفس- بعد أن اتضح لنا مغالاة كل فريق في دعواه وعدم صلاحية الأدلة لإثبات المدعى- هو أن نتوسط بين الرأيين فنقول: إن الرسول ﷺ بيّن الكثير من معاني القرآن لأصحابه، كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبين كل معاني القرآن، لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهالته كما صرح بذلك ابن عباس بقوله:
التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العلماء من كلامها، وتفسير لا يعلمه إلا الله (٢).
وبدهي أن رسول الله ﷺ لم يفسر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولم يفسر لهم ما تتبادر الأفهام إلى معرفته وهو الذي لا يعذر أحد بجهله، لأنه لا يخفى على أحد، ولم يفسر لهم ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وحقيقة الروح، وغير ذلك من كل ما يجري مجرى الغيوب التي لم يطلع
الله عليها نبيّه، وإنما فسّر لهم رسول الله ﷺ بعض المغيبات التي أخفاها الله عنهم وأطلعه عليها وأمره ببيانها لهم، وفسّر لهم أيضا كثيرا مما يندرج تحت

(١) النحل: ٤٤.
(٢) جامع البيان للطبري: ١/ ٢٦.


الصفحة التالية
Icon