عالج الرازى قضية نسخ القبلة فى التفسير والمحصول، ففي المحصول، استدل الرازى على جواز نسخ القرآن للسنة بنسخ القبلة، ففي المسألة الثانية من المحصول قال (١) إن الأكثرين يجوزون نسخ السنة بالقرآن، خلافا للإمام الشافعى الذى رد عليه فى مكانه من الكتاب عند القسم الثالث من النسخ، قال الرازى فى المحصول: إن التوجه إلى
بيت المقدس كان واجبا- فى الابتداء- بالسنة؛ لأنه ليس فى القرآن ما يتوهم كونه دليلا عليه إلا قوله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ١١٥]. وذلك لا يدل على النسخ لأن الآية تقتضى التخيير بين الجهات، ثم عاد وسأل: لماذا لا يكون التوجه إلى بيت المقدس وقع فى الأصل بالكتاب؟ ولكن أين الدليل؟ لا بدّ إذن من أن يكون التوجه إلى بيت المقدس نسخ تلاوة كما نسخ حكما، فلا مانع من جواز هذا الفرض عنده.
ثم يرجع مرة ثانية إلى التسليم بوقوع التوجه إلى بيت المقدس بالسنة، وما المانع من وقوع نسخه بالسنة أيضا، فالثابت من التوجه إلى الكعبة بالكتاب لا يمنع من كون التحويل عن بيت المقدس بالكتاب، قال الرازى: فالظاهر أنه صلّى الله عليه وسلّم حوّل عن بيت المقدس، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة بعد ذلك.
والثابت أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما فرضت عليه (٢) الصلاة صلى وقبلته تجاه بيت المقدس لمدة ستة عشر شهرا، والمدقق فى رأى الرازى الأول
(٢) السيوطى: لباب النقول فى أسباب النزول ٢٦.