الذى يقول بأن التوجه إلى بيت المقدس وقع فى الأصل بالكتاب ولكنه نسخ تلاوة وحكما، يجد أن الذين قالوا بمنع النسخ فى القرآن أخذوا هذه الفكرة، وقالوا إنما الناسخ والمنسوخ مما رفعه الله إليه ولا يوجد عليه دليل، فلا ناسخ ولا منسوخ فى كتاب الله تعالى، وهو مردود عليهم بأدلة ثابتة فى مكانه من الكتاب، فالقضية إذن فى قوله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ١١٥].
قال الرازى (١) فى تفسير الآية إن الأكثرين قالوا إنها نزلت فى أمر يخص الصلاة، وهو أقوى من قول غيرهم لوجهين ذكرهما: أنه المروى عن كافة الصحابة والتابعين وقولهم حجة، وثانيهما: أن ظاهر قوله- فأينما تولوا- يفيد التوجه إلى القبلة فى الصلاة، ولهذا لا يعقل من قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ إلا هذا المعنى، فإذا ثبت هذا فنقول: اختلف القائلون به إلى وجوه:
أحدها: أنه تعالى أراد به تحويل المؤمنين عن استقبال بيت المقدس إلى الكعبة، فبين تعالى أن المشرق والمغرب وجميع الجهات والأطراف كلها مملوكة لله سبحانه ومخلوقة له، فأينما أمركم الله باستقباله فهو القبلة لأن القبلة ليست قبلة لذاتها، بل لأن الله تعالى جعلها قبلة، فإن جعل الكعبة قبلة فلا تنكروا ذلك لأنه تعالى يدبر عباده كيف يريد وهو واسع عليم بمصالحهم، فكأنه تعالى ذكر ذلك بيانا لجواز نسخ القبلة من جانب إلى جانب آخر، فيصير ذلك مقدمة لما كان يريد الله تعالى من نسخ القبلة، ومع ذلك فالرازى يميل فى

(١) الرازى: التفسير الكبير ٤/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon