تفسير الآية على التخيير، قال (١): فأى هذه الأقاويل أقرب إلى الصواب؟ قلنا: إن قوله تعالى- فأينما تولوا فثم وجه الله- مشعر بالتخيير، والتخيير لا يثبت إلا فى صورتين، أحدهما فى التطوع على الراحلة، وثانيهما فى السفر عند تعذر الاجتهاد للظلمة أو لغيرها، لأن فى هذين الوجهين المصلى مخير، فأما على غير هذين الوجهين فلا تخيير، وقول من يقول إن الله تعالى خيّر المكلفين فى استقبال أى جهة أرادوا بهذه الآية وهم، وكانوا يختارون بيت المقدس لا لأنه لازم بل لأنه أفضل وأولى بعيد أيضا، لأنه لا خلاف أن لبيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة اختصاصا فى الشريعة، ولو كان الأمر كما قالوا لم يثبت ذلك الاختصاص، وأيضا فكان يجب أن يقال إن بيت المقدس صار منسوخا بالكعبة، فهذه الدلالة تقتضى أن يكون حمل الآية على الوجه الثالث والرابع السابقين أولى، ولكن حمل الآية على الوجه الأول أولى، والذين يقولون به لهم أن يقولوا إن القبلة لما حولت تكلم اليهود فى صلاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصلاة المؤمنين إلى بيت المقدس، فبين الله تعالى بهذه الآية أن تلك القبلة كان التوجه إليها صوابا فى ذلك الوقت، والتوجه إلى الكعبة صواب فى هذا الوقت، وبيّن أنهم أينما يولوا من هاتين القبلتين فى المأذون فيه، فثمّ وجه الله تعالى، وحمل الكلام على هذا الوجه أولى لأنه يعم كل مصل، فى الفرض والتطوع.
فالآية عند الرازى منسوخة بقوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ