مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: ١٤٤].
قال الرازى (١): القول المشهور الذى عليه أكثر المفسرين أن هذه الآية كانت لانتظار تحويل القبلة للرسول صلّى الله عليه وسلّم من بيت المقدس إلى الكعبة، وذكروا وجوها تدل على ذلك، منها أن الرسول كان يرجو عند التحويل رغبة العرب فى الإسلام والمباينة عن اليهود، وتمييز الموافق من المنافق، فلهذا كان يقلب وجهه فى السماء، وهذا التوجيه للآية أولى وإلا لما كانت القبلة الثانية، ناسخة للأولى، بل كانت مبتدأة، والمفسرون أجمعوا على أنها ناسخة للأولى، ولا يجوز أن يؤمر بالصلاة إلا
مع بيان موضع التوجه، قال الرازى فى المسألة الرابعة (٢) من التفسير: والمشهور أن التوجه إلى بيت المقدس إنما صار منسوخا، بالأمر بالتوجه إلى الكعبة، ومن الناس من قال: التوجه إلى بيت المقدس صار منسوخا بقوله وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثم صار منسوخا بقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ واحتجوا عليه بالقرآن والأثر، أى أن الأمر فى القبلة الثابتة فى السنة نسخها قوله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ثم نسخ التخيير فيها بقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فالآية على هذا ناسخة للسنة منسوخة بالقرآن.
قال الرازى واحتجوا على هذا الرأي بقوله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ثم ذكر بعده قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ثم ذكر بعده قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ وهذا الترتيب يقتضى صحة المذهب الذى قلناه بأن التوجه
(٢) الرازى: التفسير الكبير ٤/ ١١١.