وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ.
ولقد عدّ الرازى هذا النوع من النسخ، نسخ قرآن بقرآن، وهو من القسم الأول عنده فى أقسام القرآن الذى نسخ قرآنا، وهو أن يكون الناسخ أمرا بترك العمل بالمنسوخ الذى كان فرضا من غير (١) بدل، ونحن مخيرون فى فضل المنسوخ وتركه، وفعله أفضل، وأما (٢) ما قيل أنه بقى على الرسول فرض قيام الليل وحده، فقوله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩] يرده مع الإجماع على أن لا فرض إلا خمس صلوات، وقال ابن عباس: نافلة لك أى فرضا عليك أى فرض الله تعالى ذلك على النبى صلّى الله عليه وسلّم خاصة، وقيام الليل هذا أو التهجد فرض قد نسخته آيات سورة المزمل إلى ندب التهجد فى قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهو كما قال الشافعى (٣) ندب نسخ فرضا على الرسول والمسلمين.

(١) مكى أبى طالب: الإيضاح ٦٥.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) الشافعى: الرسالة ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon