الإمكان»، وهذا التفسير للآية، وما قرره الأصوليون، لا يمنع من وجود النسخ، ووقوعه فى الشريعة الإسلامية، وهذا أيضا لا يعطى دليلا أن الرازى لا يقول بالنسخ، ولا
يعترف به، وقد دللنا على رأيه بأدلة ثابتة من القرآن والسنة تثبت أنه من القائلين بالنسخ، والمدافعين عنه، ولكن بطريقته فى سرد الأدلة، ورد ما ليس فيه نسخ من الآيات كما فعل فى موافقته- أحيانا- لأبى مسلم الأصفهانى، فالرازى لا يحب الإكثار من النسخ بدون دليل عليه، أو حجة قوية تثبت النسخ كما وافق الجمهور فى كثير من قضايا النسخ مخالفا غيره من العلماء، وعلى رأسهم الإمام الشافعى الذى رد عليه الرازى كثيرا من آرائه فى النسخ بالدليل والبرهان، وبخاصة فى نسخ القرآن للسنة، ونسخ السنة للقرآن، وقدم من الأدلة ما يقوى ما ذهب إليه، فى نسخ الكتاب للسنة ونسخ السنة للكتاب، وهما وحيان، ولا مانع من نسخ أحدهما بالآخر خلافا لمن رفض ذلك، مع تغليب رأى الجمهور دائما فى قضايا النسخ عنده، وهذه ميزة ينفرد بها بين العلماء، فما وافق الجمهور عليه فهو معه.
[مخالفة الرازى للظاهرية]
٤ - مخالفة الرازى الواضحة لرأى الظاهرية فى قبول نسخ القرآن بالآحاد من السنة النبوية، ومثّل له بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: ١٤٥].
قال أهل الظاهر إن الآية منسوخة بما ورد فى السنة من أحاديث آحاد مثل حديث «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكل كل ذى ناب من السباع،


الصفحة التالية
Icon