الرازى بين المدح والذم:
الفخر الرازى مدحه كثيرون، وذمه آخرون، وهذه طبيعة الكبار من الرجال يختلف الناس حولهم ما بين مادح وقادح، والعبرة بما بقى وأصبح تراثا خالدا من أقواله وأعماله وأفكاره التى يتجدد عطاؤها يوما بعد يوم، حتى عدّه العلماء على رأس المائة السادسة من المجددين لها، الذين أحيوا ما اندرس من الدين، واجتهد فيما جدّ على عصره من شئون وعلوم، ذكر الذهبى عن أبى شامة قوله «وقد رأيت جماعة من أصحابه قدموا علينا دمشق، وكلهم كان يعظمه تعظيما كبيرا، ولا ينبغي أن يسمع فيمن ثبتت فضيلته كلام يستبشع، لعله من صاحب غرض من حسد، أو مخالفة فى مذهب أو عقيدة» (١).
وهذه شهادة جليلة القدر من عالم رفيع القدر فى النقد والرجال والجرح والتعديل، وهى خير دليل على أن الرجل أى الرازى ثارت حوله الأحقاد، وكثر فيه الحساد، وهذا ليس غريبا على مثل هذه الشخصية الفذة، التى نبغت فى كل العلوم، وناقشت، وناظرت، وتصوفت (٢) حينا ثم رجعت إلى صوابها من الالتزام بطريقة السلف، قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح حدثنى القطب الطوغانى مرتين أنه سمع الفخر الرازى يقول «يا ليتنى لم أشتغل بالكلام وبكى» (٣)، وما ذلك إلا لعدم الفائدة من هذا العلم، وقلة جدواه، فهو مشغلة بدون فائدة.

(١) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢١٦.
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية ١٧/ ١١.
(٣) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢١٨.


الصفحة التالية
Icon