شغلت قضية النسخ عقول العلماء قديما وحديثا، ما بين مثبت له فى القرآن الكريم، والشرائع السابقة عليه، وبين ناف له، ظنا أن النسخ قصور فى علم الله تعالى أو نقص عنده لا يجوز عليه، والأمر أبعد من ذلك بكثير، قال فى الإيضاح (١) «الله تعالى قد علم ما يأمر به خلقه ويتعبدهم به، وما ينهاهم عنه قبل كل شىء، وعلم ما يقرهم عليه من أوامره ونواهيه وما ينقلهم عنه إلى ما أراد من عبادته، وعلم وقت ما يأمرهم وينهاهم ووقت ينقلهم عن ذلك قبل أمره لهم ونهيه بلا أمد، وذلك منه تعالى لما فيه من الصلاح لعباده، فهو يأمرهم بأمر فى وقت لما فيه من صلاحهم فى ذلك الوقت، وقد علم أنه يزيلهم عن ذلك فى وقت آخر لما علم فيه من صلاحهم فى ذلك الوقت الثانى، فهو تعالى لم يزل مريدا للفعل الأول إلى الوقت الذى أراد فيه نسخه، ومريدا لإيجاب بدله أو إزالة حكمه لغير بدل فى الوقت الذى أراد رفع الحكم الأول، فينسخ بحكمه مأمورا به بمأمور به آخر، فأمره هو كلامه، صفة له، لا تغيير فيه ولا تبديل، وإنما التغيير والتبديل فى المأمور به، فافهم هذا، فإن أهل البدع ربما لبّسوا فى ذلك، وجعلوا التغيير والتبديل فى أمره، ليثبتوا خلق القرآن، تعالى الله عن ذلك، لا تبديل لكلماته، ونظير ذلك وتمثيله مما لا خفاء به على ذى لب.
إن الله تعالى قدر فى غيبه الأول بلا أمد تغيير الشرائع وتبديل الملل على ألسنة الأنبياء المرسلين- عليهم السلام- واختلاف أحكامها كما أراد، فأتى كل رسول قومه بشرع شرعه الله له مخالف