وهذا ما وضحه د. شعبان محمد إسماعيل وبينه فى كتابه (١) بقوله:
«والصحيح فى النقل عن الأصفهانى أن النسخ واقع بين الشرائع بعضها مع بعض ولكنه غير واقع فى الشريعة الإسلامية أو الشريعة الواحدة، فيكون أبو مسلم بذلك مع الجمهور فى أن النسخ واقع، وإنما قلنا إن النقل الأخير هو الصحيح عنه، لأنه هو الذى يتفق مع ما أجمع عليه المسلمون أن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة عليها، ولا يسع أبو مسلم ولا غيره أن يخالف هذا الإجماع».
والنقل عن أبى مسلم فى آرائه مضطرب، وفيه خلاف (٢) بين أقواله، وعلى أن الخلاف بينه وبين الجميع لفظى، فلماذا يسمى النسخ بغير اسمه أو حقيقته، فمرة يؤول وأخرى يخصص، والفرق بين التخصيص والنسخ (٣) واضح لا لبس فيه، فلماذا يعدل عن حقيقة المصطلح إلى تأويلها، والرجوع إلى الحق أحق أن يتبع، فلا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية، فبهذا الرأى لأبى مسلم قد خرق إجماع المسلمين على تعريف النسخ ووجوده ووقوعه، وأصبح صاحب رأى منفصل فى النسخ الذى انقسمت فيه الآراء إلى ثلاثة:
١ - رأى الجمهور وهو إجماع المسلمين والنصارى، قبل ظهور أبى مسلم الأصفهانى على أن النسخ جائز عقلا وواقع سمعا بين

(١) د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ ٢٣.
(٢) د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ ٣٩.
(٣) الرازى: المحصول ١/ ٣/ ٩ قال: النسخ رفع الحكم بعد ثبوته، والتخصيص خروج بعض الحكم، والناسخ لا بدّ أن يكون متراخيا بخلاف المخصص.
- مكى بن أبى طالب: الإيضاح ٧٤ فالنسخ إزالة حكم المنسوخ كله فى وقت معين، فهو بيان الأزمان التى انتهى إليها العمل بالفرض الأول، والتخصيص إزالة بعض الحكم، فهو بيان الأعيان.


الصفحة التالية
Icon