اعتمد الرازى فى إثبات النسخ ووقوعه على عدة أدلة فصلها فى المحصول والتفسير وهى:
الدليل الأول:
دلت الدلائل القاطعة على نبوة محمد- صلّى الله عليه وسلّم- ونبوته لا تصح (١) إلا مع القول: بنسخ شرع من قبله، فوجب القول بالقطع على النسخ، وهذا يعنى أن ما جاء محمد- صلّى الله عليه وسلّم- إلا بالصدق، ومعجزاته دالة ومشيرة إلى ذلك، ولا يستطيع منكر أن ينكر نسخ الشريعة الإسلامية لما قبلها، وأن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غيره، ويطلب ما نسخه فلن يقبل منه، بل هو من الخاسرين، وأن ما جاء به الإسلام هو ما نطق به محمد قرآنا عربيا غير ذى عوج، وسنة صحيحة صادقة، ليس خاصا بالعرب وحدهم بل للجميع، وللبشر كافة، فكان نسخ شرع من قبلنا بشريعة محمد جائز عقلا وواقع عملا، ولا محال فيه، ما دام أن الكل من عند الله تعالى فهو أعلم حيث يضع رسالته، والله ألطف بنا من أنفسنا، فلا مجال للإنكار، ولا طريق للرجوع عن قبول النسخ، ولا بداء كما يقول اليهود وغيرهم، فعلم الله تعالى ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وخلاصة هذا الدليل أن الله تعالى: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء: ٢٣]، وأن أحكام الله التى شرعها للعباد يراعى فيها مصالحهم، والمصلحة حيثما توجد فثم شرع الله تعالى يتحقق، فلا ريب أن ذلك يجعل النسخ أمرا لا بدّ منه لحاجة العباد إليه،

(١) الرازى: المحصول: ١/ ٣/ ٤٤١.
- الرازى: التفسير الكبير ٣/ ٢٢٧.


الصفحة التالية
Icon