ومصلحتهم فيه، فلا يكون ذلك محال أو يترتب عليه أو على فرضه محال أو ممنوع، فيثبت الله تعالى ما يشاء ويمحو وهو القدير، ولا رادّ الحكمة، ولا معقب لفضله، فى أن يغير حكما بعد ثبوته، أو يبطله فلا وجود له تصديقا لقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩].
وأما الدليل الثانى:
فى قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ١٠٦].
وقوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: ١٠١].
فالآية الأولى من سورة البقرة تقرر أن النسخ إن وجد فى آية، فلا بد من خير منها أو مثلها فى الحكم أو زيادة فى الأجر، وهذا لا يكون إلا فيما هو جائز عقلا، لا فيما هو محال، وإلا كيف يتغير المحال إلى شىء موجود؟!
والآية الثانية من سورة النحل تشمل الرفع والإثبات الموجودين فى التبديل، والمرفوع إما التلاوة، وإما الحكم، وكيفما كان فهو رفع وإبطال ونسخ (١)، فإن قلت؛ لم لا يجوز أن يكون المراد به أن الله تعالى أنزل إحدى الآيتين بدلا من الأخرى، فيكون النازل بدلا مما لم ينزل؟ قلت: جعل المعدوم مبدلا غير جائز، وهذه إحدى الحجج الملجمة لأبى مسلم الأصفهانى وغيره ممن ينكرون وقوع النسخ فى القرآن الكريم، ثم الناظر فى سبب نزول الآية يجد أنهم- اليهود-

(١) الرازى: المحصول ١/ ٣/ ٤٦٤.
- والرازى: التفسير الكبير ٣/ ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon