قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

فصل


وهل أمروا في الشريعة أن يتوارثوا بذلك فيه قولان:
الأول: أنهم أمروا أن يتوارثوا بذلك؛ فمنهم من كان يجعل لحليفه السدس من ماله، ومنهم من كان يجعل له سهما غير ذلك، فإن لم يكن له وارث فهو أحق بجميع ماله.
[١١٧]- أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا أحمد بن كامل، قال: ابنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ قال: كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعه ليس له شيء، فأنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ وكان يعطى من ميراثه، فأنزل الله تعالى بعد ذلك، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.
قلت: وهذا القول- أعني: نسخ الآية بهذه الآية- قول جمهور العلماء منهم الثوري، والأوزاعي ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة: هذا الحكم ليس بمنسوخ، غير أنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة، فإذا فقد ذوي الأرحام ورثوا، وكانوا أحق به من بيت المال (١).
والثاني: أنهم لم يؤمروا بالتوارث بذلك، بل أمروا بالتناصر، وهذا حكم باق لم ينسخ، وقد قال عليه السلام: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدّة» (٢). وأراد بذلك النصرة والعون وأراد بقوله: «لا حلف في الإسلام» أن الإسلام قد استغنى عن ذلك، بما أوجب الله تعالى على المسلمين بعضهم لبعض من التناصر، وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير، وقد روى عن مجاهد أنهم ينصرونهم ويعقلون عنهم.
(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ٨١).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٣٠) وغيره.


الصفحة التالية
Icon