ويرى الجرجاني أن بلاغة التشبيه ترجع إلى قدرته على إثبات المعنى، وتأكيده بقياسه على المعروف، لا بقياس المعروف على المجهول «٦».
ونظرة القدماء هذه لوظيفة الصورة، تنسجم مع مفهومهم الجزئي لها، والذي لا يتعدى الصورة المفردة، إن الصورة تحمل رؤية وفكرا، يمكن تلمّسها في القصيدة كلها، أو في النص كلّه، والصورة القرآنية اكتسبت هذه الخصوصية والتميّز، لأنها تحمل رؤية شاملة، للحياة والإنسان والكون، والنص القرآني كلّه، أو الصورة الفنية فيه، تحمل هذه الرؤية وتجسّدها، ضمن علاقات متفاعلة في داخل السياق.
ولا شكّ أن الصورة توضّح هذا الفكر، وتبيّنه، ضمن رؤية كلية للصورة في داخل السياق، ولا يمكن تبيّن معالم هذا الفكر أو الرؤية الدينية، من خلال صورة جزئية دون النظر إلى علاقتها بالصور الأخرى، أو النص القرآني عموما.
لهذا نقول: إن الصورة القرآنية لا تسعى إلى مجرد البيان والتوضيح للمعاني الدينية بل إلى تجسيدها والإقناع بها.
لهذا نلاحظ أن الصورة حين تتناول المعاني الذهنية بالتصوير، تربطها بالسياق الواردة فيه، فتتنوّع الصور، بتنوّع الأنساق التعبيرية، وتكتسب هذه الصور إيحاءاتها وظلالها، من خلال علاقات السياق المتشابكة.
فالمعاني الذهنية المرتبطة بالظواهر الكونية، تصوّر بصور مختلفة يقتضيها السياق، كالموج مثلا يقول الله تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ هود: ٤٢.
فضخامة الموج وارتفاعه، تصوّر بالجبال، وصورة الجبال مألوفة مشاهدة، توحي بضخامة الموج وارتفاعه، والسياق الواردة فيه يقتضي هذه الصورة دون غيرها، فقد ورد في السياق القرآني أن ابن نوح ردّ على نداء أبيه بقوله: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ هود: ٤٢ - ٤٣.
فتصوير الموج هنا بالجبال، جاء محقّقا الغرض الديني في تأكيد الإغراق، كما أنه جاء متناسقا مع السياق، وحين يتغير السياق، نلاحظ أن الموج يصوّر ب «الظلل» ليوحي بالفزع والرهبة. يقول الله تعالى: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ... لقمان: ٣٢.