فالسياق هنا كلّه خوف وفزع ورهبة، وهؤلاء الناس لا يعرفون ربهم إلا في الشدة، لهذا فإن صورة الموج هنا تصبح ظللا ترتفع فوق الرءوس، حتى تكاد تطبق عليهم لتفرقهم.
وشبيه بهذا قوله تعالى في تخويف اليهود: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ الأعراف: ١٧١.
فصورة الظلة هنا، والظلل هناك، توحيان بالإحاطة والشمول للإطباق عليهم.
وأحيانا تعرض نعم الله على عباده، في صور كونية محسوسة كقوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً، وَالْجِبالَ أَوْتاداً، وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً، وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً... النبأ: ٦ - ١٠.
ولكن هذه الصور الحسية المألوفة، تتغير في يوم القيامة، فتصوّر بصور أخرى تتناسق مع يوم القيامة، فتعبر عن معان جديدة، وما في يوم القيامة من أهوال مخيفة.
هذا التغير في الصور الكونية المحسوسة، فيه إيحاء للإنسان بأنّ النعم لا تدوم، وتدفعه إلى المقارنة بين هذه الصور الكونية في الدنيا، وصورتها في الآخرة، وما يصيبها من دمار وفناء، لتحقيق الأثر الديني المطلوب. يقول الله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً، وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً، وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النبأ: ١٨ - ٢٠.
فالجبال هنا سراب، وهو صورة وهمية. وفي سياق آخر يعبر عن زوال الجبال بصورة كثبان الرمل المهيل يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا المزمّل: ١٤، وهذه الصورة مرتبطة بجو السياق الواردة فيه، وكله يوحي بالثقل والتأني، ففي السورة ورد قوله:
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً، وَأَقْوَمُ قِيلًا... المزمل: ٤ - ٨.
وفي سياق آخر تصوّر بالعهن وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ المعارج: ٩، لتوحي بألوان الجبال المختلفة ويزيد هذه الصورة في موضع آخر بوصف العهن بالمنفوش وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة: ٥، والصورة هنا تتناسق مع السياق المرتبطة به وفيه الفراش المبثوث، فاقتضى ذلك وصف العهن بالمنفوش أما صورة العهن بدون وصف فتتناسق مع صورة المهل.
وتصوّر الجبال الزائلة في سياق آخر بصورة الهباء المنبث وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة: ٥ - ٦، وصورة الهباء أضعف من العهن المنفوش.
هذه الصور المتنوعة للجبال الزائلة، ليست من قبيل التكرار للمعنى الذهني الواحد،