يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ البقرة: ٢٥٧.
وتدل هذه الصور الحسية، على أنّ الإيمان نور مضيء في قلب المؤمن، يجعله، يرى الحق، ويتفاعل معه، ويلتزم به، ليحيا حياة سعيدة متوازنة، أما الكافر، فإنه يتخبط في الظلمات، ظلمات الكفر والضلال، فكأنه ميت فاقد الحس فلا يبصر نورا ولا يسمع حقا.
وترد هذه الصور متقابلة في السياق، فصورة الأعمى تقابلها صورة البصير، وصورة الظلمات تقابلها صورة النور، وصورة الموت تقابلها صورة الحياة وهذا التقابل في الصور، يوجّه الإنسان إلى الإيمان والهدى لأنه نور، وحياة، والإنسان يميل بفطرته للحياة والنور، ويكره الظلمات والموت، ويحب الإبصار، ويخشى العمى.
ويلاحظ دقة التصوير للمعاني الدينية، في استخدام كلمة النور مفردة، وكلمة الظلمات في صيغة الجمع دائما. «وذلك للإشعار بتعدد طرق الضلال وتشعبها، والدلالة على وضوح طريق الحق وجلائه» «٧».
وهناك دلالة أبعد مما ذكرناه، وهي أن هذه الصور الحسية لمعاني الإيمان والكفر، تبين اختلاف الطبيعتين في كليهما، كاختلاف الموت والحياة، واختلاف الظلمات والنور، والعمى والبصر، والظل والحرور فالاختلاف بين الإيمان والكفر، اختلاف جوهري، في الأصل والطبيعة، وليس اختلافا في المظاهر والأشكال. ثم هناك العلاقة الوثيقة بين الإيمان والنور والبصر، والظل والحياة، والعلاقة القوية أيضا بين الكفر والعمى، والظلمة والحرور والموت.
وبهذا يتضح الاختلاف بين الهدى والضلال، كالاختلاف الواضح بين هذه الصور الحسية لكل منهما، وهو اختلاف عميق وأصيل، يمتد إلى طبائع الناس، وأعماق النفوس، كالاختلاف الملحوظ في البصر والعمى، والظلمات والنور، والظل والحرور، والحياة والموت.
ويصوّر هذا الاختلاف بين المؤمن والكافر، أو بين الهدى والضلال، في صورة أكثر تفصيلا وذلك في قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام: ١٢٢.
فالصورة هنا، لا تكتفي بتوضيح الفوارق بين طبيعة الكفر، وطبيعة الإيمان، وإنما تمتد،