لتبيّن أثر كل منهما في صاحبه، فالمؤمن هو الحي الذي يمشي في الناس بنور وهداية وبصيرة، عارفا طريقه في الحياة، ومحددا غايته فيها، أما الكافر فهو الميت الذي يعيش في ضلال وخداع، وتزيين لأعماله، وهو لا يدري أنه يتخبط في الظلمات، ولا يخرج منها.
وقد توزّعت أجزاء الصورة هنا بتناسق عجيب للإيحاء بهذه المعاني الدينية، فالكفر تقابله الظلمات، والإيمان تقابله صورة النور الهادي المشعّ، والكافر تقابله صورة الميت، والمؤمن تقابله صورة الحياة.
ثم يأتي التعقيب على التصوير بقوله: زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ليزيد المعنى وضوحا، والصورة بروزا، فالكافرون يعيشون في تزيين أعمالهم الباطلة، ليخدعوا
أنفسهم ويخدعوا الآخرين، وهم في حقيقتهم يعيشون في تضليل وخداع.
وتمتد الصورة في سياق آخر، ولكنها تتواصل مع الصور الأخرى في توضيح الفوارق بين من يؤمن بالوحي، ومن لا يؤمن به، وتجسّم هذه الفوارق في صورة حسية مدركة أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الرعد: ١٩.
فالمؤمنون هم المبصرون، لأنهم رأوا الحق فاتبعوه، والكافرون هم العمي، لأنهم لم يروا الحق مع وضوحه للأبصار وذلك لأنهم فقدوا حاسة الإبصار.
ثم تأتي صورة أخرى في سياق آخر، لتضيف فارقا جديدا، بين المؤمن والكافر، فالمؤمن ينظر إلى بعيد لأنه يمشي باستقامة، والكافر قاصر النظر، ينظر إلى قريب، لأنه يمشي مكبا على وجهه فلا يتمكن من الرؤية البعيدة يقول الله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الملك: ٢٢.
ثم تأتي صورة أخرى لتوضّح أن الله يخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور، وأن الطواغيت هم الذين يقودون الناس إلى الظلمات اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ... البقرة: ٢٥٦ - ٢٥٧.
فهذه الصورة أيضا تسهم في تفصيل صورة النور والظلام، وتضيف إليها معاني جديدة، زيادة على ما تقدم حتى يكتمل بناء الفكرة الدينية.
وهكذا تتواصل الصور فيما بينها، وتتفاعل في داخل الأنساق ضمن نظام العلاقات بين الصور حتى تقوم كل صورة بدورها في الباء التصويري المجسّد للحقائق الدينية.


الصفحة التالية
Icon