ما عند الله. وهذه المعاني يناسبها الوجه دون غيره، لأنه يحتوي على الأجزاء الهامة في الإنسان.
لذلك جاء الأمر في قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ الروم: ٤٣، والمراد بذلك الاتجاه إلى الدين القيّم بجدّية واستقامة، كما توحي الصورة، بالإضافة إلى الدلالة على الاهتمام والتطلع والانتباه، وهي دلالات مرتبطة بالوجه دون غيره. لهذا كان التعبير بالوجه عن الذات الإنسانية. وهناك صور أخرى تعبر عن الإنسان في أنساق تقتضيها، كالعين والأذن، واليد، والقدم... كقوله تعالى وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة: ١٩٥.
فالأيدي ترمز إلى العطاء وقد وردت في سياق الإنفاق في سبيل الله، وقد ترمز الأيدي إلى البخل وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الإسراء: ٢٩.
فالبخل يصوّر باليد المغلولة إلى العنق، والإسراف باليد المبسوطة التي لا تمسك شيئا، ثم تجسّم الصورة لكلّ من البخيل والمسرف، في صورة القاعد الحسير، الذي لا يتمكّن من متابعة شئون حياته، فالبخيل يمنعه بخله، من مزاولة شئون حياته، والمسرف ينتهي إلى الإفلاس، فلا يتمكن من متابعة حياته.
وقد ترمز اليد إلى البطش والفتك كقوله تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ المائدة: ١١.
ويعبر عن الثبات والاستقرار بالقدم كقوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ يونس: ٢، وهذه الصورة الحسية توحي بطمأنينة المؤمنين وثباتهم، في سياق الإنذار والتخويف وساعات الحساب يوم القيامة، وإضافة القدم إلى صِدْقٍ وذكر عِنْدَ رَبِّهِمْ تزيدان من وضوح الصورة وثباتها في سياق يوحي بالقلق والاضطراب والخوف.
وتعبر الصورة عن طيب النفس وسرورها بالعين، كقوله تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً مريم: ٢٥، لأن العين هي التي ترى ما يسر النفس، ويدخل السرور إليها، فكأن الصورة الحسية هنا هي النفس كلّها، باعتبار العين هي الجزء الهام فيها، وفي هذه الصور الحسية، يتمّ استحضار الكلي ضمن نظام العلاقات بين الدال والمدلول في الصورة المجازية، كما وضحت ذلك بالتفصيل في مقومات الصورة الفنية، حين تحدثت عن تصوير الصلاة بجزء