من أجزائها، ويكون الجزء المذكور هو الجزء الهام، المتناسق مع السياق الذي يقتضيه.
بالإضافة إلى موضوعات أخرى «١١».
كما تعبّر الصورة عن الترك والإعراض بصورة متحركة وهي النبذ وراء الظهور كقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران: ١٨٧، وقوله أيضا: قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا هود: ٩٢.
فأهل الكتاب في الآية الأولى، يلقون كتاب الله وراء ظهورهم بهذه الصورة الشنيعة، استخفافا به وإعراضا عنه والكفار في الآية الثانية، يعرضون عن ربهم، ويتركونه
وراء ظهورهم، وهم خلق من خلقه.
ويكثر في القرآن الكريم التعبير عن معنى الاستبدال والاختيار، بصورة حسية مألوفة، هي «الشراء» في أنساق مختلفة، تقتضي هذه الصورة. كقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ البقرة: ١٦.
فالمنافقون استبدلوا الضلالة بالهدى، وصورة الشراء المعبّرة عن هذا المعنى الذهني توحي بشدة حبهم للكفر والضلال، وبغضهم للهدى، لأن الإنسان يشتري ما يحبه، ويبيع ما يزهد فيه، ثم جاء قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ من قبيل ترشيح الاستعارة كما يقول البلاغيون لتقوية الصورة الحسية، وزيادة التخييل في الذهن من خلال استحضار عملية البيع والشراء، وكما جرّت عليهم عملية البيع والشراء من خسران وهلاك.
وقد لاحظ الزمخشري ما في هذه الصورة الحسية من رونق وبهاء وتحريك للخيال فقال: «فإن قلت: هب أن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا في معنى الاستبدال فما معنى ذكر الربح والتجارة كأن ثمّ مبايعة على الحقيقة؟ قلت: هذا من الصنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا، وهو أن تساق كلمة مساق المجاز، ثم تقفى بأشكال لها وأخوات إذا تلاحقن لم تر كلاما أحسن منه ديباجة وأكثر ماء ورونقا وهو المجاز المرشح» «١٢».
وهناك مواضع أخرى تكررت فيها هذه الصورة الحسية، كقوله تعالى:
(١٢) الكشاف: ١/ ١٩٢ - ١٩٣.