أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ البقرة: ١٧٥، إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ آل عمران: ٧٧، إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً آل عمران: ١٧٧، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ النساء: ٤٤.
إن تكرار هذه الصورة للدلالة على المعنى الذهني الواحد، توحي بالصفقة التجارية الخاسرة للكافرين، الذين استحبوا الضلالة على الهدى، وصورة الشراء مألوفة لأنها مستمدة من واقع الحياة العملية، وتكرارها، فيه تأكيد على معنى الخسران، وترسيخ لمفهوم الصفقة التجارية الخاسرة لهؤلاء الكافرين.
وقد تمتد هذه الصورة في التعبير، لاستيفاء المعنى، والإيحاء بمعان جديدة كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ البقرة: ١٧٤.
فالصورة المرسومة هنا، تنقل المعنى الذهني وهو كتمان الحق، من أجل مصالح دنيوية زائلة، فتجسّم الصورة المعنى الذهني، حتى يصبح محسوسا يباع ويشرى، ويقبض ثمنه، ويؤكل به، ولكن أين ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ؟ والتعبير ب يَأْكُلُونَ يتناسق مع السياق العام الذي يتحدث عن الطعام الحلال والحرام وهذه صورة مخيفة إذ ترسم لنا نارا مشتعلة في البطون تشويها، كما تشوي نار السعير جلودهم يوم القيامة، وهي صورة ممتدة، في الزمان والمكان، فتطوى الدنيا، ويستحضر من الآخرة «صورة النار» في سرعة خاطفة، لتعذيب هؤلاء على فعلتهم، زيادة في التصوير والتأثير في النفوس، وإلى جانب هذا العذاب الحسي، هناك العذاب المعنوي أيضا يجسّم في قوله: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ إلى جانب العذاب المادي وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وبذلك يذوق هؤلاء أنواع العذاب، جزاء على فعلتهم الشنيعة.
وترد: «صورة الشراء» الحسية في سياق آخر جديد، يتحدث عن المؤمنين، لتكون الصورة هنا صورة رابحة، تقابل الصورة الخاسرة لأولئك في الآيات السابقة، يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي


الصفحة التالية
Icon