بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة: ١١١.
وهذه الصورة رابحة مضيئة، تقابل الصورة السابقة القاتمة والخاسرة، وهذا الاختلاف بين الصورتين في الربح والخسارة، يرجع إلى اختلاف السياق، والسياق هنا يتحدث عن المؤمنين، فالصورة صفقة تجارية رابحة، وهناك في الآيات السابقة، كان السياق يتحدث عن غير المؤمنين، فكانت الصورة صفقة خاسرة.
وترسم الصورة هنا كل أطراف البيع والشراء، والبائع والمشتري، والثمن، فالبائع هو المؤمن، والمشتري هو الله، والثمن الجنة... ومن رحمة الله، أن جعل الله الإنسان مالكا لنفسه وماله، يتصرف فيهما بحرية واختيار وإرادة، ليقبض الثمن وهو الجنة، وإن كان الله هو المالك الحقيقي للأنفس والأموال، ولكن القرآن الكريم يصوّر الإنسان مالكا وبائعا وقابضا للثمن، لتكون الصورة ملائمة للواقع المنظور في الحياة، بدلا من تصوير الغيب المستور.
وتزيد الصورة في «التخييل الحسي» في قوله: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ لتوحي بربح هذه البيعة إن تمّت الصفقة، وسلّمت الأنفس والأموال لله، وهي بيعة رابحة لا شك، لأن الثمن غال وهو الخلود في الجنة، بينما الأنفس والأموال إلى فناء، فالبيع في هذه الصفقة، هو بيع ما يفنى بما يبقى، وهذا هو الربح الحقيقي الذي توحي به الصورة الحسية، لتحقيق الغرض الديني من التصوير.
وتتواصل هذه الصورة، مع صورة أخرى مرتبطة بها، وهي صورة التجارة الرابحة، والتجارة من ملائمات البيع والشراء، بل إنها تعدّ امتدادا طبيعيا لها في تصوير المعنى الذهني، وزيادة في تفصيلات الصورة الحسية للمعنى يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ... الصف: ١٠ - ١١.
وتعتمد هذه الصورة على عنصر الإثارة والتشويق. من خلال النداء، يعقبه الاستفهام المشوّق للجواب، واستحضار صورة التجارة الرابحة، وتحريك النفوس بها والتشويق إليها، وتوظيف هذه الصورة الذهنية، لتحقيق غرض ديني.
وتتواصل هذه الصورة أيضا، في علاقات سياقية أخرى، لتدل على معان ذهنية، فالإنفاق