في سبيل الله، يعبر عنه، بصورة مألوفة، وهي «القرض»، وصورة القرض، تتواصل مع صورة البيع والشراء، وصورة التجارة الرابحة، فهي تنتمي إلى عالم المادة، والتعامل اليومي للإنسان، وتوظف هذه الصور الذهنية المستمدة من واقع الحياة، للتعبير عن المعاني الدينية، بصور مألوفة لدى المخاطب، ولها رصيد في ذهنه ونفسه لتحريك خياله، والتأثير في شعوره. قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة: ٢٤٥.
والصورة الحسية هنا، لا تعبّر عن نقل المعنى الذهني فقط، وإنما توحي بزيادته ونمائه أيضا. وذلك من خلال اللمسات التعبيرية والنفسية في تصوير المعنى الذهني، فالإنفاق قرض لله، وهو تعبير لطيف يوحي للإنسان بأنه يملك الأموال وينفقها بل ويقرضها لربه قرضا حسنا ناميا، وللخيال أن يتصور حركة الأموال النامية أضعافا مضاعفة، من خلال هذا «التجنيس» اللفظي يضاعفه وأضعافا، والصور الذهنية المختزنة للأموال بأنواعها، وحركة نمائها أو تكثيرها.
وتمضي الصورة في تحقيق غرضها الديني، بتذكير الإنسان، بأنّ الله هو الذي يملك أرزاق العباد، وبيده قبضها وبسطها لمن يشاء، وكيف يشاء؟ وهاتان الصورتان للغنى والفقر، تتقابلان في التعبير والسياق، لتتواصلا أيضا مع صورة «الإقراض لله» لتقويتها وإنمائها في فكر الإنسان وشعوره، ثم تأتي صورة الرجوع إلى الله، لتثبت صورة الإقراض لله، وتدعمها بالتوجيه المطلوب، فهي تطهّر النفس من الشحّ، وتدفعها إلى الإنفاق في سبيل الله بسخاء. وهكذا تتواصل الصور في السياق، وتتفاعل. لتوضيح المعنى الذهني فيتناسق التعبير والتصوير، والغرض الديني والفني معا.
وقد كثر ورود صورة الإقراض لله في الأسلوب القرآني، لأنها صورة حسية مستمدة من واقع حياة الناس، ولها رصيد في أذهانهم ونفوسهم، وهي تدلّ على المعنى الذهني، وتجسّمه، وتجعله محسوسا ملموسا، يؤثّر في الفكر والنفس والخيال. من ذلك قوله أيضا: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ التغابن: ١٧، أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً المزمل: ٢٠.
وتعرض الأعمال في صورة حسية مجسّمة زيادة في إيضاحها وبيانها، وحركة التخييل الحسية فيها. ليتفاعل معها، الإنسان، ويتجاوب، جريا على طريقة القرآن الكريم في


الصفحة التالية
Icon