تصوير المعاني الذهنية، وإحيائها في صور حسية، ومشاهد مرئية، لكي تؤثر في النفس الإنسانية، فأعمال الإنسان وذنوبه، تعرض في صورة الأحمال المثقلة للظهور. وذلك في قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى... فاطر: ١٨.
فالصورة هنا تبرز المعنى الذهني، في مشهد حي متحرك، كأننا نراه الآن، ونستحضره من عالم الغيب إلى العالم المنظور أمامنا، فكلّ إنسان يحمل على ظهره حمله من الأعمال والذنوب، وهو يسير في اتجاه الميزان لوزن هذا الحمل الثقيل، وتمضي الصورة في التخييل الحسي، وإحياء المشهد، فالإنسان يحمل حمله مهما ثقل على ظهره، ولا يحمله عنه غيره كما في الدنيا، ولو أنه دعا قريبا له ليساعده في حمله، فلن يجد مجيبا لندائه، لأن كل إنسان مشغول يوم القيامة بنفسه عمّن سواه، ولنا أن نتخيل المشهد المتحرك لجموع الناس وهم يحملون الأحمال على ظهورهم، ويتحركون في اتجاه الميزان والوزّان للحساب والجزاء.
والصورة المرسومة هنا للأعمال، تقرّب لنا الغيب المستور، وكأنه مشهد منظور في الدنيا من قوّة التصوير، والتأثير.
وتتواصل هذه الصورة في سياق آخر، لتوحي بأنّ الذنوب قد اكتسبها الإنسان بنفسه، وعليه أن يحمل تبعة ما اكتسبه. يقول الله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً النساء: ١١٢.
فالصورة هنا تجسّم الخطيئة والإثم والبهتان، في صور مادية محسوسة، لكي يتفاعل معها الإنسان، كما أن الخطيئة أو الإثم يغدو شيئا مكتسبا. فيه إغراء وجاذبية، ثم تمضي الصورة في التخييل بعد التجسيم، فيصبح الإثم شيئا ماديا محسوسا، يرمى به البريء، ثم تمضي أيضا الصورة في التخييل الحسي في قوله: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً فصار البهتان والإثم حملين يحملان على الظهر، ليسير بهما صاحبهما في يوم الحساب باتجاه الميزان، ليحاسب على ما اكتسبه من خطيئة وإثم. وبذلك تتواصل الصورة في داخل السياق الواحد، كما تتواصل مع الصورة الأولى، والسياق مختلف، لتجسيد وحدة التصوير ووحدة التأثير الديني، وترابط المعاني الذهنية، لتمثيل وحدة الفكر الإسلامي أيضا.
إن الصورة هنا، تترابط مع صور السياق الواردة، فيه أولا، ثم تترابط مع الصور الأخرى،