والأنساق أيضا. ضمن نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية والفكرية في الأسلوب القرآني.
وقد تكررت صورة الأعمال المجسّمة في الأحمال فوق الظهور في مواضع عدة من القرآن كقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ... النحل: ٢٤ - ٢٥، وقوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا طه: ١٠١، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ العنكبوت: ١٢ - ١٣، ومن ذلك أيضا قوله تعالى: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ الانشراح: ٢ - ٣.
وتصوّر المعاني الأخلاقية، في صور حسية أيضا، لأنها أبلغ في التأثير يقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ لقمان: ١٨ - ١٩.
وصورة «تصعير الخد» الحسية، بحركتها وهيئتها، تنقل لنا معنى التكبر، بصورة كريهة منفرة. لما بين صورة المتكبر، وصورة «الصعر» في الإبل من تشابه وصلة، في الحركة والهيئة، والأثر الكريه المنفّر، فالصّعر في الأصل داء يصيب الإبل، فيجعلها تميل بأعناقها بهيئة منفّرة، وصورة المتكبر المائل بعنقه تشبه تلك الصورة الحسية في الإبل، وبذلك يغدو التكبر داء يصيب الإنسان، فيلوي عنقه خيلاء وتكبرا على عباد الله، فالعلاقة بين الصورتين واضحة في الحركة والهيئة، والسبب.
ثم الصوت الهادئ يوحي بالأدب والثقة، والغلظة والارتفاع في الصوت سلوك مكروه، يصوره التعبير بصورة حسية منفّرة مضحكة تبعث الكراهية والاشمئزاز من هذه العادة الذميمة حين تقارن بصورة الحمير بأصواتها المنكرة.
وهناك صورة أخرى للمتكبر، ترتبط بالصورة الأولى، وتتواصل معها وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا الإسراء: ٣٧.
فهذه الصورة بما فيها من إيحاء ضخم، يقصد بها مواجهة المتكبر بحقيقة نفسه العاجزة الضعيفة، فإذا كان المتكبر يرى في نفسه القوة والقدرة، ويتضخم عنده هذا الشعور، حتى تجسّم في سلوك مذموم، فتأتي هذه الصورة الحسية المعروضة أمامه، تتحدّاه صراحة، ليرى نفسه العاجزة من خلالها، فيظهر عجزه في خرق الأرض، وبلوغ


الصفحة التالية
Icon