الجبال طولا، فيدرك حقيقة أمره، ويتواضع، ويلين جانبه للناس.
وأبشع أنواع التكبّر، هو التكبّر عن دعوة الله، وقد رسمت الصورة القرآنية هؤلاء المتكبرين عن الإيمان بصورة تبعث على السخرية منهم. من خلال اللمسات النفسية والفنية المحركة للخيال، والمؤثرة في النفوس يقول الله تعالى في وصف واحد من هؤلاء: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى القيامة: ٣١ - ٤٠.
هذه الصورة المضحكة للمتكبّر عن دعوة الله، وردت بعد مشهد الاحتضار، فهي ترتبط به، وتتواصل معه في التوجيه الديني ضمن سياق متفاعل متحرك بصوره، وتعبيراته، ومعانيه.
فالتكبّر هنا يجسّم بحركة تمطّي الظهر، وامتداده، تعاجبا وتعاليا، والمتكبّر يقوم بهذه الحركة الكريهة، فيمطّ ظهره، ويمدّه، خيلاء وتكبرا، وأمام هذه الحركة الكريهة والمضحكة، التي ترسمها الصورة له، تأتي صورة نشأته الأولى، من مادة محتقرة، ثم ما مرّ به من مراحل النمو، حتى أصبح رجلا سويا لتذكيره بعجزه وضعفه، وقدرة الله عليه، وقدرته على بعثه وإحيائه بعد إماتته...
وقد يقترن التكبّر عن دعوة الله، بالمكر والتآمر ضد الدعوة، فيقتضي ذلك صورة مفصّلة ترسم التكبر والمتكبرين الماكرين، بالخطوط، والحركات، والهيئات، لتصوير دقائق أساليبهم، وخفايا تآمرهم.
والصورة هنا تعرض في مشهد كامل حي شاخص، يقول الله تعالى في هؤلاء المتكبرين الماكرين: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ، الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ، ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النحل: ٢٦ - ٢٩.
فهؤلاء المتكبّرون حبكوا المؤامرات ضد الدعوة، وأحكموها بدقة وإتقان، ظنا منهم أنها تحميهم، فكانت هذه المؤامرات المحبوكة، هي سبب هلاكهم، والصورة ترسم هذا المعنى