الذهني في صورة بناء محكم، بقواعده وأركانه وسقفه، وهذه التفصيلات في تصوير البناء، توحي بالدقة والضخامة والإحكام، ثم بعد اكتمال تصوير البناء، بقواعده وأركانه وسقفه، حتى أصبح جاهزا للاحتماء به، والاختفاء في داخله، وبين جدرانه، جاء مشهد التدمير الكامل لهذا البناء المحكم، ويلاحظ أن مشهد تدميره، يرد مفصّلا ومتدرّجا، زيادة في الإيضاح والتأثير، وكأننا أمام مشهد معروض، نتابع خطوات التدمير، جزءا وراء جزء، ويبدأ مشهد التدمير من القواعد الأساسية التي يقام عليها البناء، ثم تتبعها حركة سقوط السقوف فوقهم لتدميرهم تدميرا كاملا.
ثم يمتد التصوير في الزمان والمكان، لينتقل المشهد من الدنيا إلى الآخرة، في نقلة متصلة في السياق والتصوير ليكشف لنا عن مشهد هؤلاء المتكبرين يوم القيامة وما هم عليه من خزي ومذلّة، لتقابل صورتهم في الآخرة، صورتهم في الدنيا حين كانوا يتكبرون عن دعوة الله ويتعالون عليها. ثم يعود التصوير مرة أخرى إلى الدنيا، فيلتقط مشهد احتضارهم، ليرسم خزيهم ومهانتهم على الأرض أيضا، لتكون هذه الصورة الذليلة، قريبة جدا من صورة استكبارهم وعلوّهم، قريبة في الزمان والمكان أيضا، فهم ما زالوا أحياء في الدنيا، وعجزهم واضح، وذلّهم بيّن في ساعة الاحتضار، ثم يعود التصوير للآخرة ليختم بها المشهد، ويصورهم وهم في النار خالدين فيها أبدا. ويتركون هناك في جهنم، وينتهي التصوير والتعبير بهذه الخاتمة المخزية لهم.
إن هذا المشهد الحي الشاخص الذي ترسمه الصورة بكل تفصيلاته، لهؤلاء المتكبرين مشهد يتفاعل فيه التصوير مع التعبير، لإيضاح التكبّر عن دعوة الله، والنهاية والمصير لهؤلاء المتكبرين.
وفيه يظلّ الخيال نشطا متحركا لمتابعة مراحل التصوير المختلفة، ابتداء من تصوير البناء المحكم ثم مشهد تدميره، ثم مشهد القيامة لهؤلاء المتكبرين، ثم العودة إلى مشهد الاحتضار في هذا السياق المتفاعل الذي يقتضي هذه اللقطة النفسية والفنية، ثم الانتقال من جديد إلى مشهد القيامة، لأنها نهاية الرحلة للجزاء والعقاب. ليترك الصورة حرة طليقة، مثيرة للخيال، وهو يتابع أحوال المتكبرين، يصطلون بنيران جهنم.
وتتواصل صورة التواضع مع صورة التكبر، عن طريق التقابل أو التضاد، لإبراز الفروق