وتصوير الفرار من المعركة، بإعطاء الأدبار للأعداء، صورة قبيحة مستنكرة، في الحياة الإنسانية، وهي صورة أيضا تجلب غضب الله، وتنتهي بالمهزوم إلى جهنم وبئس المصير.
فالصورة هنا ترسم الفرار من المعركة بهيئة كريهة، تثير في النفس قبح الهزيمة، فهي صورة كريهة في بدايتها، وكريهة في امتدادها، ومصاحبة غضب الله لها، وكريهة أيضا في خاتمتها.
وهكذا تتناسق هذه المجموعة من الصور في الشكل الكريه، والأثر القبيح، في تصوير المعاني الذهنية وتوجيه الإنسان نحو المعاني السامية النبيلة. فتتواصل الصور في السياق، كما تتواصل المعاني فيما بينها أيضا، لبناء الرؤية الإسلامية، وبناء الإنسان وبناء الحياة.
وتعبّر الصورة القرآنية عن طاعة الشيطان، والانقياد له، بصورة حسية متحركة وهي «اتباع خطوات الشيطان» قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة: ١٦٨.
فهذه الصورة تجسّم المعنى، وتجعله واقعا محسوسا، وتجعل عدو الإنسان الشيطان، يقود الإنسان الضال إلى موارد هلاكه، والإنسان الضال، يقتفي أثره، خطوة خطوة، يطيعه، وينقاد إليه انقيادا أعمى. وهذه الصورة كثيرة الورود في القرآن، للدلالة على هذا المعنى، ولكننا قد نجد في بعض الأحيان تفصيلا فيها، لزيادة التحذير من الشيطان وأتباعه، كقوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة: ٢٠٨ - ٢٠٩.
وصورة الشيطان هنا فيها حركة تخييلية حسية. يبدو فيها قائدا، يقود جموع الضالين، والحمقى يتبعونه، ويقتفون آثاره وخطواته، مع أنه عدو قديم للإنسان، أعلن صراحة عن دوره في إغوائه حسدا وحقدا. وتمضى الصورة في التخييل الحسي باستخدام لفظة «زللتم» التي ترسم زلّة الأقدام عن الطريق السوي، وسقوط أصحابها في هوة المعاصي... ثم يأتي التعقيب على التصوير، متناسقا مع جوّ الصورة وإيحاءاتها فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وتمتد صورة الشيطان في السياق القرآني، ليصبح الشيطان قرينا ملازما للإنسان الغافل عن الله، يقول تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ