فَبِئْسَ الْقَرِينُ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ الزخرف: ٣٦ - ٣٩.
فالغافل عن ذكر الله، يصوّر هنا بصورة حسية بصرية وهي «العاشي» الذي لا يبصر، وطالما أنه لا يبصر طريقه، فإنه ينقاد للشيطان، ويطيعه طاعة عمياء، حتى يصبح له
قرينا، يصدّه عن الهدى والنور. وتمتد الصورة في التفصيل، ويجسّم المعنى الذهني في مشهد حي شاخص، تراه الأبصار، وتستخدم الأفعال المضارعة «يصدونهم- يحسبون... » لإحياء المشهد، وجعله حاضرا أمام العيون، فهذه الوسوسة الشيطانية مستمرة ملحوظة في المشهد المصوّر، ولكنّ العاشي لا يراها، لأنه ضعيف الرؤية، ويظلّ هؤلاء المخدوعون على حالهم وخداعهم لأنفسهم أنهم مهتدون، حتى يطويهم الموت، ويفاجئهم يوم القيامة، فيرى الضالون قرينهم الذي أضلّهم، فيتمنّون أن يكون بينهم وبينه بعد المشرقين، ثم يصدرون الحكم بأنفسهم عليه فَبِئْسَ الْقَرِينُ ولكن هذه الأمنية، وهذا الحكم الصادر منهم، لا يفيدانهم شيئا، فهم الآن يشتركون في العذاب كما اشتركوا في الدنيا في الضلال والكفر. فالشركة بين الشيطان وأتباعه ممتدة أيضا في العقاب والجزاء.
فهذه الصورة لأتباع الشيطان، والانقياد له، تتواصل مع الصورة الأولى في اتباع خطواته، فهي تعدّ امتدادا للصورة الأولى، ويلاحظ اعتماد الصورة هنا على الحوار، لإحياء المشهد المجهول، وكأنه منظور، كما يلاحظ امتداد التصوير في الزمان والمكان، لتحقيق التأثير الديني، كما يلاحظ ترابط خاتمة الصورة مع مقدمة التصوير، فيسدل ستار المشهد على عذاب أتباع الشيطان مع قائدهم، كما بدأ المشهد باشتراكهم في الضلال والعمى عن الحق.
وهؤلاء العاشون عن ذكر الله، هم الذين استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله كما قال تعالى فيهم اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة: ١٩.
وصورة استحواذ الشيطان عليهم، صورة كريهة، توحي باستيلائه عليهم، وامتلاكه لهم، وصورة الاستحواذ هذه تتواصل مع صورة اتباع خطوات الشيطان، وصورة العاشي عن ذكر الله، وتتفاعل هذه الصورة في تأدية المعاني الدينية ونقلها إلى المتلقي عن طريق الإيحاء بها.