وتجسّم الصورة وسائل غواية الشيطان واستيلائه على قلوب أتباعه وعقولهم بقوله تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً الإسراء: ٦٤. فوسائل الغواية مجسّمة بصورة المعركة فيها الأصوات والخيول والرجال والشيطان في معركة مع الإنسان، يستخدم كل الوسائل لغوايته وإضلاله، ويستخدم أسلوب الاستدراج، حتى يخرجه من حصونه، وقلاعه، ثم يستولى عليه بعد ذلك.
يقول الزمخشري بهذا المعنى: «فإن قلت ما معنى استفزاز إبليس بصوته، وإجلابه بخيله ورجله قلت: هو كلام ورد مورد التمثيل. مثّلت حاله في تسلّطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوّت بهم صوتا يستفزّهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم» «١٣».
وتعبّر الصورة عن الموت، وما يتعلق به من المعاني، وكأنه شخص حاضر، يطارد الإنسان طوال حياته حتى يقبض عليه، يقول تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ... الجمعة: ٨.
فالصورة ترسم الموت، شخصا حيا متحركا يطارد الإنسان، وهو يهرب منه في خوف وذعر، ويظلّ الموت يطارده، والإنسان يجري أمامه، حتى يلاقيه الموت أو يدركه، فالقرآن الكريم لم يقل إن الإنسان سيموت بتعبير مباشر، وإنما صوّر هذا المعنى الذهني في حركة الإنسان في الحياة، وهو يفرّ خائفا من الموت وهو يلاحظ ليمسك به في النهاية. ويترك للخيال أن يتابع حركة المطاردة هذه، ويقدّر ما تستغرقه من الزمن، قد يطول، وقد يقصر، ولكن نتيجة المطاردة معروفة فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ، ويرتبط مشهد الاحتضار بصورة الموت، فيصوّر تصويرا حيا مرهوبا يقول الله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ، وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ القيامة: ٢٦ - ٣٠.
فالمشهد هنا حي متحرك شاخص، تسهم الألفاظ في تصويره، ورسم دقائقه المفصّلة، فهذه الروح قد وصلت إلى المرحلة الأخيرة في الحلقوم، والحاضرون ينظرون لمشهد الميت لا مكروب، عاجزين عن ردّ الروح إليه، ولم يبق أمامهم إلا الرقية لعلّها تفيده، بينما الروح