الفني ليتفاعل معه الإنسان، ويتجاوب مع خطابه وتوجيهاته كقوله تعالى: يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يس: ١ - ٢.
والحكمة صفة العاقل، ووصف القرآن بها في هذه الآية، ويخلع عليه صفة الحياة والحكمة على طريقة التصوير الفني، لإبراز حقيقة معنوية، وهي أن القرآن فيه الحكمة والموعظة، ولكن الصورة تجعل القرآن حكيما كلّه، لتوحي بشمول حكمه ومواعظه القرآن الكريم من أوله إلى آخره، بالإضافة إلى أن وصفه بالحكمة «يلقي عليه ضلال الحياة والإرادة، فكأنما هو كائن حي متصف بالحكمة في قوله وتوجيهه، وإنه لكذلك فيه روح وفيه حياة، وفيه حركة، وله شخصية ذاتية مميزة، وفيه إيناس وله صحبة يحسّ بها من يعيشون معه، ويحيون في ظلاله، ويشعرون له بحنين وتجاوب، كتجاوب الحي والحي، والصديق والصديق» «١٤».
وتتواصل الصور الفنية في التعبير عن القرآن وكأنّه حي، على سبيل التشخيص كقوله تعالى: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ سبأ: ٣١، فالقرآن ليس له يدان، ولكن هذه الصورة التشخيصية يراد بها التعبير عن قرب الكتب السماوية منه، واتصالها به، وكأنها بين يديه.
وصورة النور هي الصورة الدالة عليه كقوله تعالى: وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا التغابن وقوله أيضا: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ المائدة: ١٥.
فهو نور، لأنه يزيل الشبهات، ويهدي إلى الحقّ.
ويعبّر عن قوة تأثيره في القلوب بصورة حسية وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً الجن: ١٩، وصورة لبدة الصوف معروفة في تجمّعها وتكتّلها، وتشابك خيوطها، وهي هنا تعبر عن تجمّع المشركين أو الجن حول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، ليستمعوا إلى تلاوة القرآن، وسحر بيانه، وقوة نظمه.
ولكن أثر الدين في الإنسان، يجسّم في صورة حسية أخرى، للإيحاء بتلاحم الظاهر والباطن في سلوك الإنسان: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ البقرة: ١٣٨.
فصورة صباغة الثوب الحسية، توحي بأن أثر الدين في الإنسان، ليس أثرا داخليا