فحسب، وإنما هو أثر خارجي محسوس، يظهر في سلوك الإنسان، كما يظهر أثر الصبغ في الأثواب. ويعبّر عن «التقوى» بصورة حسية مألوفة، لتكون ماثلة للعيان وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى البقرة: ١٩٧، فالصورة هنا تجسّم التقوى، وتجعلها مادة محسوسة، مثيرة للخيال، من خلال استحضار أنواع الزاد الحسي الذي تقابله صورة الزاد المعنوي، وإجراء المقارنة بينهما، وتفضيل الزاد المعنوي على الزاد الحسي، وهذه الصورة المجسّمة للتقوى، مرتبطة بالسياق الذي يتحدث عن الحج، وأجواء الحج أجواء روحانية باقية، فكأن الصورة الحسية للتقوى، توحي بضرورة المحافظة على روحانية الحج، والتزوّد من هذه الأجواء في رحلة الحياة الطويلة.
والصبر، يجسّم في صورة حسية أيضا في قول الله عزّ وجلّ: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً البقرة: ٢٥٠. فالصبر وهو شيء معنوي يصوّر بماء بارد يفرغ في قلوب المؤمنين، فيملؤها سلاما وهدوءا وطمأنينة في المواقف العصيبة. ومشاقّ الجهر بالدعوة، تجسّم في صورة الزجاجة المصدوعة فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الحجر: ٩٤، وهذه الصورة الحسية، توحي بحقيقة الجهر بالدعوة، وما سيحدثه من صدع في قلوب الكافرين، وإنكار يظهر في قسمات وجوههم، كما أنّ الجهر بالدعوة، يحدث تمييزا أو شقا بين المؤمنين والكافرين، فلكلّ منهما طريقه المواجه للآخر، ولهذه المواجهة بين الفريقين أعباؤها ومشاقّها، ولا بدّ من تحمّل هذه المشاق في سبيل الجهر بالدعوة، وإبلاغها للناس. وهذه من إيحاءات الصورة المرسومة، بجرس اللفظ «اصدع»، وما فيه من قوة وشدة، يتناسق مع المعنى، ويوحي به.
وتعبّر الصورة عن ظواهر كونية مرئية، وترسمها بدقة وعناية، لإحياء هذه الظواهر في الحس الغافل عنها، وتحقيق التأثير الديني من وراء تصويرها. فصورة الليل والنهار، وما بينهما من اتصال وثيق، وتعاقب مستمر، تعرض من خلال صورة السلخ الحسية وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يس: ٣٧.
فصورة الانسلاخ، توحي باتصال الليل والنهار، مثل التصاق الجلد بالشاة، وظهور الليل المتدرّج أشبه بصورة سلخ جلد الشاة، فإذا تمّ الانسلاخ كاملا، انفصل أحدهما عن الآخر، وعمّ الظلام، أما قبل السلخ الكامل، فيلاحظ اتصال أحدهما بالآخر، وامتزاج اللونين