الضياء والظلام، وهذه حقيقة علمية، توحي بها الصورة، فحين يكون ظلام في جهة، يكون ضياء في الجهة الأخرى، وهكذا يتجاوز الضياء والظلام في الصورة، كما هما ملحوظان في الحركة الكونية على ظهر الأرض.
وقد تعبّر الصورة عن المعاني الذهنية، بطريقة تهكمية ساخرة كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التوبة: ٣٤، وقوله أيضا: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدخان: ٤٨ - ٤٩، وقوله أيضا: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ هود: ٨٧.
فالصورة هنا تعبّر عن أضدادها، فصورة التبشير بالعذاب، تعبّر عن الإنذار به، وصورة الإذاقة الحسية تعبّر عن التجرّع غير المستساغ، وصورة العزيز تعبّر عن الذليل المهان، وصورة الحليم الرشيد تعبّر عن الغوي السفيه.
وقد يقترن تصوير المعاني الذهنية بالحركة، لتجسيم تلك المعاني بالخيال كقوله تعالى:
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ البقرة: ١٩٨. فصورة الإفاضة هنا تعبّر عن نزول الحجاج من عرفات، والصورة بتشكيلها اللغوي أَفَضْتُمْ، توحي بالفيض أو الفيضان، أو كثرة الحجاج وقت نزولهم من عرفات، على شكل أفواج متتابعة، يجلّلها الوقار والخشوع، بعد تعرّضها لفيض الرحمة على عرفات.
ويعبّر عن حركة الناس وتدافعهم في سياق آخر، بصورة الموج وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً الكهف: ٩٩، فالصورة هنا، تعبر عن القلق والاضطراب والتدافع وهي ملائمة لحركة الناس يوم البعث من القبور أو حركة يأجوج ومأجوج عند انهدام السدّ.
وإذا قارنا بين الصورتين أَفَضْتُمْ ويَمُوجُ فِي بَعْضٍ نلاحظ أن الحركة التصويرية في أَفَضْتُمْ توحي بالخشوع والنظام والسير في اتجاه واحد مرسوم، بينما في يَمُوجُ توحي بالفوضى والتدافع مثل حركة الأمواج المتلاطمة.
وتجمع الصورة إلى جانب الحركة في نقل المعاني الذهنية، عنصر الصوت، لزيادة التأثير والإيحاء كقوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ الأعراف: ١٥٤.