يتابع الحركة المصوّرة للأعمال في حركة القدوم، وحركة النثر معا، ويتابع أجزاء الأعمال بعد أن صارت هباء منثورا موزّعا في كل اتجاه ومكان، حتى لم يبق منها شيء، وكذلك أعمال الكافرين، لا قيمة لها عند الله، كما توحي بذلك الصورة المجسّمة.
وتصور أعمال الكافرين الحسنة كائنات حية شاردة عن أصحابها، وعاقبة الشرود الضياع، فلا يستفيدون منها شيئا الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمد: ١، وأعمال الإنسان عموما. تعرض كأنها أشياء مادية محسوسة، فمرة تصوّر بكائنات بشرية تحضر الحساب مع أصحابها على طريقة «التشخيص» كقوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران: ٣٠.
ومرة تصوّر حاضرة للحساب على طريقة «التجسيم» كقوله تعالى: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً الكهف: ٤٩، وأحيانا تصوّر الأعمال ودائع عند الله تسلّم لأصحابها يوم القيامة كقوله تعالى: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ البقرة: ١١٠.
والكافرون، لا يستفيدون من أعمالهم التي عملوها في طريق الخير، لأنها لم تعتمد على الإيمان، والإيمان كان بين أيديهم، ولكن الحواجز المعنوية حجبتهم عنه، وقد عبّرت الصورة عن هذه الحواجز التي منعتهم من الإيمان، وذلك في قوله تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ البقرة: ٨٨.
وصورة القلوب «غلف» توحي بسماكة الأغطية التي غطت قلوبهم، فأحكمت سدّها حتى لم يبق هناك منافذ للمعرفة والإدراك، لكي تستجيب لداعي الإيمان.
وأحيانا تصوّر القلوب بالأبواب المقفلة بالأقفال لإحكام سدّها حتى لا تنفذ الدعوة إليها يقول تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمد: ٢٤.
وأحيانا يعبّر عن إعراضهم عن الإيمان بصور أخرى، تدلّ على تعطيلهم حواسهم التي هي منافذ الإدراك. يقول تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فصلت: ٥.
فصورة الأغطية على القلوب، والصمم في الآذان، والحجاب على العيون، كلها حواجز مادية تمنع من الفهم والإدراك والمعرفة، والاستجابة لدعوة الإيمان.
وبعد تعطيلهم حواسهم، أصبحوا هم والأنعام سواء، في عدم الوعي والإدراك، بل إنهم