أدنى منها وأحطّ لأنهم ملكوا هذه الحواس التي هي أدوات المعرفة والإدراك ولكنّهم عطّلوها.
بينما الأنعام ليست كذلك.
يقول تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأعراف: ١٧٩.
فهذه صورة زرية لأولئك الذين يعيشون في غفلة، بعد تعطيل حواسهم، حتى صاروا كالأنعام، التي لا تعي ولا تدرك، بل إنهم أحط منها، لأنها لا تملك ما يملكون من وسائل المعرفة والإدراك. وتتواصل الصورة لهؤلاء في الأسلوب القرآني، وتمتد في أنساق أخرى، لتعرض في صور أخرى مرتبطة بالصورة الأولى «تعطيل الحواس» فهم قد أصبحوا أيضا في صورة الأموات، وإن كانوا ما زالوا أحياء. يقول الله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ النمل: ٨٠ - ٨١.
فهم في صورة الموتى لا يشعرون، وفي صورة الصمّ لا يسمعون، وفي صورة العمي لا يبصرون، وهكذا تتلاحق الصور الحسية مجسّمة المعنى الذهني، لتعمّقه في الشعور، وتتراءى صورة المؤمنين الوضيئة من خلال تلك الصور القاتمة، فالمؤمنون هم الأحياء، لأنهم يسمعون، فيسلمون.
ويتكرّر تصويرهم بالموتى، مع التهديد بالحشر يوم القيامة يقول تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ الأنعام: ٣٦.
ويصوّرون أيضا بالدوابّ تحقيرا لهم، وازدراء بهم. يقول تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ الأنفال: ٢١ - ٢٢.
وصورة الدوابّ تثير في الحس والخيال صورة الاستنكار من تعطيل الحواس، حتى أصبحوا لا يسمعون، ولا يستجيبون. كذلك نجد الإلحاح في تصوير المعرضين عن الإيمان، بصور العمي، والصم، والبكم، وكلّها صور تتناسق مع الصور السابقة، وتتعاون معها في تصوير الكافرين الذين عطّلوا حواسهم، فاستحقّوا هذه الصور المطابقة لحالهم. قال تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ