وصورة العقم صورة معروفة، ولكنها كريهة منفّرة، لا يميل إليها الإنسان، ولا يحبّها، وهي هنا تعبّر عن شدة الدمار والهلاك بقصد التهديد والوعيد، فهذه الريح التي تشدّ الأبصار إليها في العادة، لأنها تحمل السحب والأمطار والخير والرزق، هي ريح عقيم، بخلاف ما يأملون ويتوقعون، فهي عقيم لا تحمل الحياة والأمطار بل تحمل الموت والدمار، وتتفاعل صورة العقم مع صورة الرميم في السياق هنا للإيحاء بانتهاء حياتهم، وتدمير مساكنهم، ويعبّر عن شدة التدمير بالميت الذي رمّ وتفتت عظامه فأصبح رميما وهكذا تتناسق صورة الميت الرميم، بصورة الريح العقيم للدلالة على قوة التدمير وشموله كل شيء.
ويعبّر عن اليوم الآخر باليوم العقيم يقول الله تعالى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ الحج: ٥٥، وتصوير اليوم هنا بالعقيم، يوحي بأنه يوم لا يعقبه يوم بعده وبذلك تكون الصورة الحسية هذه دالة على معنى اليوم الآخر «١٩». وما فيه من العذاب الدائم الذي لا يرجى منه خلاص أو مخرج، وبذلك توحي صورة العقم انقطاع أملهم في النجاة من العذاب العقيم.
وهكذا تترابط الصورة في داخل السياق ضمن نظام العلاقات، لأداء المعاني الدينية المطلوبة.
وتعبّر الصورة عن الصلة الوثيقة بين الكتب السماوية والقرآن الكريم بتصويرها «بين يديه» يقول الله تعالى: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ البقرة: ٩٧، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يوسف: ١١١.
وقد تعبّر صورة بَيْنَ يَدَيْهِ على نزول المطر كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الأعراف: ٥٧، أو للدلالة على قرب العذاب كقوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ سبأ: ٤٦.
وتضاف إليها لفظة وَلا مِنْ خَلْفِهِ للتعبير عن الإحاطة والشمول كقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ فصلت: ٤٢، وهنا تفيد الصورة شمول النفي وعمومه على الكتاب كلّه.