محبوب مرغوب وإن كان قليلا لذلك وصف الله سبحانه «الحلال» بأنه «طيب» قال تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً البقرة: ١٦٨، وصورة الحلال الطيّب صورة حسية ذوقية، تتسم بالعمومية، وهي متناسقة مع السياق الواردة فيه، سياق أمر الناس جميعا بأكل الطيبات، وتحرك الخيال كي يسرح في أنواع الطيبات التي أحلّها الله، وهي طيبات لا تحصى، ويترك الصورة مجملة دون تفصيل لأجزائها وأنواعها، لأنها صورة مألوفة لدى الناس.
وفي مقابل صورة الطيبات الواردة صراحة بالتعبير، تأتي صورة «المحظورات» أو المحرّمات عن طريق التلويح بها، من خلال صورة أخرى وهي «صورة الشيطان»، وذلك لما بين الصورتين من اتصال وتواصل، فالشيطان هو الذي يدفع الإنسان إلى المحرمات، ويزينها له يقول تعالى بعد ذكر الطيبات مباشرة محذّرا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ البقرة: ١٦٨ - ١٦٩.
فالشيطان هو الذي يأمر بالخبائث، والله سبحانه يأمر بالطيبات، وهكذا يتّضح من تقابل الصورتين الفارق الكبير بينهما من حيث مصدر الأمر بهما، وأثر كلّ من الصورتين في النفس البشرية أيضا.
وتتواصل صورة الخبيث في السياق القرآني، لترسم خاتمة له في جهنم وبئس المصير، على سبيل التجسيم الفني يقول الله تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الأنفال: ٣٧.
فالخبيث هنا مجسّم في صورة أكوام من الأقذار الكريهة، تجمّع بعضها فوق بعض، ثم تقذف في النار، بدون اكتراث أو اهتمام، فهذه الصورة للخبيث أوقع في الحس والنفس من أي تعبير آخر، وهي تهدف إلى التنفير من الخبيث، من خلال هذه النهاية المرسومة له.
وشتّان بين صورة الخبيث الكريهة التي تنتهي في النار، وبين صورة الطيب المحبوبة، التي تنتهي إلى الجنة. وهكذا تتفاعل الصور وتتواصل وتمتد، في رسم النهايات المؤثّرة لكلّ من الخبيث والطيب. حتى يظلّ المتلقي يتدرّج من صورة إلى صورة، فيصل إلى الصورة النهاية الموحية المؤثّرة التي ترتسم ملامحها وخطوطها في تلك النهاية الطبيعية لكل من الخبيث والطيب.


الصفحة التالية
Icon