لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام: ٦٠، ويلاحظ التناسب الخارجي والداخلي بين صورة النائم وصورة الميت، في السكون، وفقدان الإدراك في فترة النوم، وبين صورة الاستيقاظ وصورة البعث، في الحركة والعودة إلى الإدراك.
وهذه الصورة المعبّرة عن النوم واليقظة. مألوفة عند جميع الناس، فهي بسيطة وواضحة ولكنّها عميقة في دلالتها على البعث بعد الموت، لذلك فإنّ الصورة تعتمد في تشكيلها على الفعل المضارع في «يتوفاكم» و «يبعثكم» لتدل على تكرار حدوث هذه الصورة، وتكرارها في حياة الإنسان، وهو غافل عنها، كما أن الفعل المضارع يحيي الصورة، ويجعلها حاضرة ظاهرة للعيان دائما، لندرك من خلالها فكرة الموت والحياة قريبة مكرّرة، تتواصل في الذهن مع صورة البعث من القبور للحساب والجزاء.
وقد يقترن تصوير المعنى الذهني بالحالة أو الهيئة المصاحبة له كقوله تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ الحجر: ٨٨.
والصورة المرسومة هنا ترسم الهيئة المصاحبة للاهتمام بالمتاع الزائل على سبيل المبالغة، لأن العين لا تمتد، وإنما يمتد البصر، ولكنّ الصورة جعلت العين نفسها هي الممدودة، زيادة في التخييل الحسي، والتصوير النفسي، لحالة الاهتمام الزائد على المألوف في المتاع الزائل، والغرض من المبالغة في هذا التصوير هو حثّ الرسول ﷺ على ألا يحفل به، ولا يلتفت إليه.
وفي تصوير قوم عاد، نلاحظ أنه يصوّرهم مرة بقوله: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ القمر: ١٩ - ٢٠، ومرّة يصوّر تدميرهم بقوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقة: ٧.
وهذا التنويع في تصوير معنى الإهلاك، مرتبط بتصوير الحالات والهيئات المصاحبة للمعنى، كما أن الصورة، تتفاعل مع السياق الواردة فيه، وتتناسق معه.
فتصوير الإهلاك بأعجاز النخل المنقعر، يتناسق مع السياق الذي يتحدث عن بداية إهلاكهم، ومصرعهم فقد جاءتهم الريح الصرصر العاتية، تقتلعهم من الأرض، كاقتلاع أشجار النخل من جذورها، فترميهم أرضا أجسادا هامدة، كأشجار النخيل المنقعر، أي المنقلع من جذوره، والمرمي على الأرض. وهذه الصورة، توحي بسقوطهم على الأرض،


الصفحة التالية
Icon