ولا تدلّ على إفنائهم، فما زالت بهم قوة، واكتفت اللقطة المصوّرة بهذا الجزء من مشهد إهلاك عاد، لأن السياق الواردة فيه هذه الصورة لم يتحدث عن الزمن الذي سخرت فيه الريح لتدميرهم. كما ورد ذلك في سياق الصورة الثانية يقول الله تعالى: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ، وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ
خاوِيَةٍ
الحاقة: ٧، فهذه الصورة أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ وردت في سياق، يتحدث عن منتهى إهلاكهم وتدميرهم، لذلك كانت الصورة متفاعلة مع هذا السياق، ومتناسقة معه، فأجسادهم هنا فنيت، وتآكلت أجوافها، حتى صارت خاوية، تشبه أعجاز النخل الخاوية، والريح في هذا السياق، لم تكتف برميهم على الأرض، كما في الصورة الأولى «نخل منقعر» وإنما راحت تجوّف أجسادهم، حتى تجعلها خاوية من كل شيء، وصورة الأجساد الخاوية، تتناسق مع السياق العام للسورة، الذي يوحي بالشدة والقوة والعنف. فقد تحدثت السورة عن الحاقّة، والطاغية، وطغيان الماء، ودك الأرض والجبال وغير ذلك من الأوصاف الشديدة، التي تقتضي تصوير هلاك عاد بالنخل الخاوية.
ويمكننا أن نقول بعد هذا: إن الصورة الثانية ترتبط بالصورة الأولى لهم، وتتواصل معها، فالنخل المنقعر، تصوير لبداية التدمير والإهلاك، ثم النخل الخاوية، هي الصورة الأخيرة للإهلاك والإفناء فالصورة الثانية، تكمل التصوير في الصورة الأولى، وليست منفصلة عنها.
وهكذا تتكامل الصورة القرآنية، في السياق القرآني، لتأدية المعاني، بكل ما يصاحبها من هيئات وحالات، وخطوط، يقتضيها التصوير الفني، لتحقيق التأثير الديني.
وقد يقترن تصوير المعاني الذهنية بالتحقير والإهانة، وهذا كثير في القرآن الكريم.
كقول الله تعالى في تصوير تدمير ثمود بعد أن عقروا الناقة: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ القمر: ٣١، فصورة الهشيم المحتظر، تعبّر عن معنى إفنائهم وإهلاكهم، ولكن الصورة لا تعبر عن المعنى فقط، وإنما تعبّر أيضا عن الإهانة والتحقير لهم، عقابا على استكبارهم على دعوة الله، ومخالفتهم أمره، وصورة الهشيم تدلّ على إفنائهم، ولكنّ هذا الهشيم، هو هشيم الحظيرة الذي تدوسه الدوابّ وتروث عليه، تحقيرا لهم، وازدراء بهم.


الصفحة التالية
Icon