ونظير ذلك أيضا صورة إهلاك أصحاب الفيل في قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل: ٥، فصورة العصف المأكول تعبّر عن الإهلاك، وتعبر أيضا عن التحقير المصاحب لهذا الإهلاك، فالعصف وهو ورق الزروع أو التبن، أكلته الدواب وراثته، فالصورة توحي بالتحوّل من جنس الآخر وهؤلاء، قد فنيت أجسادهم، وتغيّرت، حتى أصبحت على هذه الصورة الكريهة المحتقرة التي يكنّى عنها القرآن الكريم، على طريقته التصويرية في أداء المعاني بالكنايات والإشارات الموحية.
وعلى طريقة قوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ المائدة: ٧٥، كما يقول الزمخشري «٢٦».
فالصورتان «هشيم المحتظر» و «العصف المأكول» تعبّران عن الإهلاك والإفناء للكافرين، ولكن لكلّ صورة منهما خصوصيتها، التي تميّزها عن الأخرى، وهذه الخصوصية في التصوير، جاءت كي تتلاءم مع السياق الواردة فيه، ولتدلّ أيضا على هيئة الكافرين بعد إهلاكهم، للإيحاء بالتحقير والازدراء لهم. فصورة الهشيم المحتظر توحي بأن أجسادهم، حطّمت وديست بالأقدام، كما تدوس الدوابّ الهشيم في الحظيرة، و «صورة العصف المأكول» توحي بإحراق أصحاب الفيل، وإفنائهم فناء كاملا، حتى أصبحوا مادة أخرى بعد الإحراق، كما يتحوّل ورق الزرع أو التبن إلى مادة أخرى بعد أن تأكله الدواب ولا يخفى ما في الصورتين من التحقير والترذيل لهؤلاء الكافرين إلى جانب تصوير المعنى الذهني كما قدمنا آنفا.
وقد تتعاون الحركة والهيئة في تصوير المعنى الذهني، والحالة النفسية كقوله تعالى:
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ المعارج: ٣٦ - ٣٧.
جاء في الكشاف أن مهطعين تعني مسرعين مادي أعناقهم إلى الأمام، وعزين تعني فرقا شتى «٢٧».
هذه الصورة المرسومة لهم، وهم يستمعون القرآن، ويعجبون بما فيه من سحر وبيان، فيها الحركة والهيئة تتعاونان في رسم هذه الصورة الساخرة منهم، لأنهم لا يسمعون القرآن، للاهتداء والإيمان وإنّما للكيد والتآمر. وصورتهم وهم يسرعون، مادين أعناقهم

(٢٦) الكشاف: ٤/ ٢٨٦.
(٢٧) المصدر السابق: ٤/ ١٦٠.


الصفحة التالية
Icon