كذلك تجسّم الصورة مشاعر الخوف في نفوس المسلمين حين كانوا قلّة مضطهدة وذلك في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ الأنفال: ٢٦.
فالحالة النفسية للمؤمنين، تجسّم في صورة الأيدي الممتدة إليهم لتخطفهم، وهم في حالة خوف وترقب وحذر.
وهذه الصورة المجسّمة لحالة النفوس، كرّرت في القرآن الكريم يقول الله تعالى: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا القصص: ٥٧.
وقد تلجأ الصورة إلى تجسيم الخوف في هيئة الترقب والانتظار كقوله تعالى: فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ القصص: ١٨، وهذه الصورة توحي بالقلق والاضطراب، وتوقع الشرّ في كلّ لحظة، وهي ترسم حركة وهيئة الخائف المترقب في لفظ واحد «يترقب».
وصورة يعقوب المفجوع بولديه، تجسّم حالته النفسية، وما فيها من حزن، وهمّ وألم في صورة بياض عينيه الحسية. يقول تعالى: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ يوسف: ٨٤.
والصورة توضح منتهى الحزن والألم النفسي، وقد ارتسم هذا الحزن الداخلي في صورة عينيه، ولكنه على الرغم من ظهور حزنه في عينيه، كان يكظم حزنه، ويخفي ألمه وصورة أم موسى النفسية بعد أن سمعت وقوع ولدها بيد فرعون، تختلف عن الصور النفسية المتقدمة وذلك في قوله تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها القصص: ١٠.
وهذه الصورة لفراغ القلب من كل صبر ووعي وإدراك، وكل المعاني الأخرى، التي تصيب الأم الوالهة، في ظروف مشابهة للظرف الذي مرت به أم موسى، تعبّر عنه صورة «فراغ القلب» الموحية بالجزع الشديد، الذي يطير له القلب، ويفرّغ من أي محتوى آخر.
وهكذا تتواصل الصور في القرآن للتعبير عن الخوف في داخل النفوس، ولكنها لا تتماثل، فكل صورة تتميّز عن الأخرى، حسب السياق الواردة، فيه، وحسب الأشخاص والحالات والمواقف، كما أنها تتميّز بالإيحاءات المنبعثة منها، والملائكة لها وللسياق معا.
فخوف المشركين يجسّم في حركة حمر الوحش المذعورة للإيحاء بالتحقير، وخوف المؤمنين حين كانوا قلّة يجسّم في حركة الأيدي الممتدة إليهم، لتخطفهم، للإيحاء بالقلة


الصفحة التالية
Icon