والضعف في تلك المرحلة.
وخوف موسى المطارد من فرعون يجسّم في هيئة الترصد، والترقب، للإيحاء بالحذر والحيطة. وخوف أم موسى على ولدها يجسّم في صورة فراغ القلب، للإيحاء بالأمومة الحانية الوالهة. وهكذا تتواصل الصور في تجسيم الحالات النفسية، وتتنوّع في تشكيلها، لتصوير هذه الدقائق في الحالات والأشخاص والمواقف، ولبعث الإيحاءات الملائمة لذلك كلّه، فليس هناك صور جاهزة تعبّر عن الحالة الواحدة، بصورة جاهزة مكررة، بل هناك الصور النامية المتجددة، الملائمة للفروق بين الأشخاص والمواقف والأنساق التعبيرية.
وقد تتقابل رغبة النفوس وكرهها في التصوير، لإبراز الفوارق بين النفوس المؤمنة، والنفوس الكافرة. وذلك في قوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ القصص: ٦١.
ففي هذه الآية نلاحظ الوعد الحسن مشخّصا في صورة كائن حيّ مرغوب في لقائه فَهُوَ لاقِيهِ والنفوس المؤمنة ترغب في لقاء الله، وتحبّ موعد اللقاء في اليوم الآخر، وصورة أخرى مقابلة للنفوس الكافرة، التي لا ترغب هذا اللقاء في اليوم الآخر، لذلك فهي تحضر إحضارا في ذلك اليوم، لتصوير كره نفوس هؤلاء للحساب، فيحضرون إليه رغم أنوفهم، وهذا ما يوحي به قوله: مِنَ الْمُحْضَرِينَ.
وقد تلجأ الصورة أحيانا إلى الغرابة، في تشكيلها لتصوير ما يصيب النفوس من قنوت ويأس من وعد الله ونصره كقوله تعالى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ الحج: ١٥.
فهذه الصورة بما فيها من الغرابة، تعبّر عن نفس امتلأت غيظا وقنوطا من نصر الله، ومن كان هذا حاله فليفعل بنفسه ما شاء، فإنه لن يغيّر من الواقع شيئا مهما بذل من جهد، لإزالة ما يغيظه، ولو مدّ حبلا إلى السماء، وربط نفسه ثم قطعه، فإن هذه المحاولة لن ترفع الابتلاء والشدة عنه.
هذه الصورة المتخيلة، لشخص علّق نفسه بحبل ممدود إلى السماء، ثم قطعه صورة شديدة، ذات إيحاء عميق، فهي توضّح أنّ امتلاء النفس بالغيظ، لا يغيّر الحقيقة الواقعة، بل إنّ المغتاظ يقتل نفسه بغيظه لذلك، لا بدّ من الاعتماد على الله، والثقة به، والاطمئنان


الصفحة التالية
Icon