لم يدرك فحواه إلا بتقريبه عن طريق الشبيه والنظير له.
وبذلك تجتمع دلالات المثل القرآني في الشبيه، والنظير، والوصف، وفي الغرابة والسيرورة، والمثال أو النموذج. ويمتاز تصوير الأمثال في القرآن الكريم عن غيره من الأمثال الأدبية بأنه لم ينقل من حادثة معيّنة، أو متخيّلة، وإنما هو أسلوب قرآني مبتكر في أدائه، وطريقته، وغايته، فهو لا يحذو حذو غيره ولا يستقي من مورد سابق عليه كما هو معروف في الأمثال العربية بل هو كما يقول منير القاضي: «نوع آخر أسماه القرآن مثلا من قبل أن تعرف علوم الأدب المثل، ومن قبل أن تسمي به نوعا من الكلام المنثور، وتضعه مصطلحا له، بل من قبل أن يعرف الأدباء المثل بتعريفهم» «١٢».
ويعتمد تصوير الأمثال على التصريح بلفظ المثل، مفردا أو مجموعا، وهو الاستعمال الشائع في الأسلوب القرآني، وقد يقدّر لفظ المثل، ويدلّ عليه حرف العطف، كقوله تعالى:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ البقرة: ١٩، أو قد يفهم من السياق كقوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً الأعراف: ٥٨.
ولكن الأغلب في تصوير الأمثال، التصريح بلفظ المثل، وهذا ما سأعتمده في دراستي هذه. أما تقسيم الزركشي المثل القرآني إلى صريح وكامن، فليس تقسيما دقيقا، لأننا
لو اعتبرنا ذلك ورحنا نستخرج الأمثال الكامنة، لاحتجنا إلى التأويل من ناحية، ولأن القرآن الكريم يصلح كلّه حكما وأمثالا، مما يبعدنا عن دلالة المثل القرآني، والغاية من ضربه للناس من ناحية أخرى وهذا ما وقع فيه الدكتور محمد جابر الفياض «١٣»، والأستاذ عبد الرحمن حبنكة «١٤»، في دراستهما للأمثال القرآنية وسيرهما على تقسيمها إلى صريحة، وكامنة، واضطرارهما إلى التأويل.
ولا شكّ في أن الأمثال من أكثر التعابير شيوعا على ألسنة الناس، وأعمّها توضيحا للمعاني، وأعمقها تأثيرا في النفوس، لأنها تمتاز بالإيجاز وإصابة المعنى، وجودة التصوير.
وقد تحدّث عبد القاهر الجرجاني عن تفضيل العقلاء لها على سائر الأساليب، موضحا

(١٢) الصورة الفنية في المثل القرآني: الدكتور محمد حسين علي الصغير. ص ٦٨.
(١٣) الأمثال في القرآن الكريم: د. محمد جابر الفياض. ص ٢٠٧ - ٢١٥.
(١٤) الأمثال القرآنية: ص ١٠٤ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon