في خلقه وتكوينه، وتمييزه عن سائر المخلوقات الأخرى، ولا يكون هذا التميّز عن سائر المخلوقات الأخرى بالشكل فحسب، وإنما أيضا بالعقل والإدراك والشعور.
وبذلك يمكن أن نوسّع من مدلول استعمال الكلمة في القرآن ليشمل الشكل والمضمون معا. وهذا المفهوم ينسجم مع آيات أخرى في القرآن، تعدّ المشركين كالأنعام، لأنهم فقدوا ميّزة الإنسان، في الإدراك والتفكير، وإن كانوا في صورة الآدميين في الظاهر.
ولكن المفسرين- على ما يبدو- كانوا ينطلقون في تفسير كلمة الصورة، من اللغة التي تدور دلالتها في المعاجم، حول الشكل الخارجي للأشياء.
ونضيف إلى ذلك التأثر بالمفهوم الفلسفي اليوناني للصورة وبالذات الفلسفة الأرسطية، فقد عرف العرب كلمة الصورة بمعناها الفلسفي التي تفصل بين «الصورة والهيولى» والصورة هي الشكل، والهيولى هي المادة، فالمنضدة هيولاها الخشب والغراء، وصورتها هي التركيب المخصوص للخشب والغراء حتى يظهر في شكل معين «٦».
وقد دعم هذا الفصل بين الصورة والهيولى فكرة المعتزلة، التي تفصل بين اللفظ والمعنى، في تفسير القرآن الكريم كما أثر في الدراسات الأدبية والبلاغية أيضا «٧».
هذه المؤثرات اللغوية والدينية والفلسفية، وجّهت البلاغيين والنقاد، نحو التركيز على الشكل في دراسة الصورة، ويعدّ الجاحظ (ت ٢٥٥ هـ) أول من لفت الانتباه إلى الصورة في العمل الأدبي بقوله: «فإنما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير» «٨».
وقد أثارت هذه العبارة جدلا بين النقاد في تحديد مدلولها، فالدكتور كامل بصير يرى أن عبارة الجاحظ حول التصوير، تشمل اللفظ والمعنى معا، أو الشكل والمضمون. وهذا المفهوم- برأيه- يعدّ امتدادا لمدلولها في اللغة والقرآن، وقد حاول تأويل النصوص اللغوية والقرآنية، وتحميلها من الأفكار ما لا تحتمله، حتى يرجع مفهوم الصورة إلى أصول عربية، ونفي أي تأثر بالثقافات الأجنبية «٩».
(٧) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر عصفور ص ٣٤٧ وما بعدها.
(٨) كتاب الحيوان: الجاحظ ج ٣ ص ١٣١ - ١٣٢.
(٩) بناء الصورة الفنية في البيان العربي: د. كامل البصير ص ٢٤ - ٢٨.