فيه بهذه الوجوه التي ذكرها، بحيث يمكن اعتبارها مجتمعة سمات «الصورة القرآنية» «١٨».
ولكن على الرغم من هذه الآراء القيمة، حول الصورة القرآنية، فإنها تظل تدور في إطارها الحسي والجزئي، لا تتعدى الآية القرآنية الواحدة المتضمنة للصورة، مكتفيا الرماني بالإشارة إلى جمال الاستعارة أو التشبيه دون أن يربط الصورة بالسياق الواردة فيه، أو يتجاوز الصورة البلاغية في الجملة إلى الصورة في السياق. كما أنه ظلّ يركّز على «الشكل» من خلال إلحاحه على «الصورة البصرية» في نماذجه التي وقف عندها. ويحيل كلّ أنواع الصور القرآنية إليها، علما بأن الصورة في القرآن أعمّ من ذلك وأشمل، فهي تربط بين المحسوس وغير المحسوس أو بين الصورة الحسية والمعنوية، فلا يمكن الفصل في الصورة القرآنية بين الحسي والمعنوي أو بين الصورة المفردة والسياق، أو بين الصورة والمعنى الديني.
والإعجاز القرآني لا يرجع إلى هذه الصورة البلاغية الجزئية مفصولة عن سياقها فقط، وإنما يكمن الإعجاز التصويري في تشابك العلاقات بين الصورة الجزئية والكلية، ضمن بناء الصورة العام، كما سأوضح ذلك في الفصول القادمة، إن شاء الله.
وقد أثّر الرماني في أبي هلال العسكري (ت ٣٩٥ هـ) تأثيرا كبيرا، فنرى العسكري يأخذ فكرة الرماني أخذا حرفيا، ويتوقف عند الشواهد القرآنية نفسها تقريبا «١٩»، ولكنه يلحّ على «الصورة البصرية» أكثر من الرماني، ويرجع جمال الاستعارات في القرآن إلى إخراجها «ما لا يرى إلى ما يرى» «٢٠».
ففي قوله تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران: ١٨٧، يقول: «حقيقته غفلوا عنه والاستعارة أبلغ لأن فيه إخراج ما لا يرى إلى ما يرى» «٢١»، وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ الإسراء: ٢٩، يقول: «حقيقته لا تكونن ممسكا، والاستعارة أبلغ، لأن الغلّ مشاهد، والإمساك غير مشاهد، فصوّر له قبح صورة المغلول ليستدل به على قبح الإمساك» «٢٢»،
(١٩) كتاب الصناعتين: لأبي هلال العسكري. ص ٢٦٢ - ٢٦٤.
(٢٠) المصدر السابق: ص ٢٩٩.
(٢١) المصدر السابق: ص ٣٠٢.
(٢٢) المصدر السابق: ص ٣٠٣.