وقوله تعالى: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ هود: ٨٠ يقول: «أي إلى معين، والاستعارة أبلغ، لأن الركن مشاهد، والمعين لا يشاهد» «٢٣»، وقوله تعالى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ الأعراف: ٢٢ يقول:
«أخرج ما لا يرى من تنقصهم بآيات القرآن إلى الخوض الذي يرى، وعبر عن فعل إبليس الذي لا يشاهد بالتدلّي من العلوي إلى سفل وهو مشاهد» «٢٤».
ويلاحظ في تحليل العسكري لآيات القرآن المذكورة إلحاحه على أفعال الرؤية والمشاهدة، لأنه يركّز على الصورة «البصرية» أكثر من الرماني، ولكن أبا هلال العسكري حاول الاجتهاد في فكرة «التصوير» الجاحظية مستخدما كلمة «الصورة مع فعلها» حين قال: «فصوّر له قبح صورة المغلول... » ولا شكّ في أنه قد تأثّر بفكرة الجاحظ. كما استفاد من تحليل الرماني لآيات القرآن على ضوء فكرة التصوير، فألحّ على الجانب الحسي البصري في الاستعارة، ولكنه لم يستطع أن يخرج عن شواهد الرماني وأفكاره وأسلوبه في تحليل الآيات القرآنية، فظلّ يتعامل مع مفهوم الصورة بإطارها الشكلي والجزئي، فقصرها على الاستعارة والتشبيه فقط كالرماني، ولم يربطها
بالمعنى والسياق، مع أن فكرة التصوير أعم وأشمل من التشبيه والاستعارة، إذا نظرنا إلى الأسلوب القرآني الذي يتخذ الصورة وسيلة للتعبير عن أعراضه الدينية بحيث يمكن أن يعدّ أسلوبه كله أسلوبا تصويريا ما عدا الآيات المتعلقة بالتشريع طبعا، هذه النظرة الشمولية للأسلوب القرآني التصويري، تثري مفهوم «الصورة الفنية» وتنقلها من إطارها الجزئي إلى مفهوم كلي شامل مرتبط بالسياق كله الذي يقوم على نظام العلاقات بين الصورة البلاغية المفردة، والصورة السياقية، وهذا ما حاول أن يقوم به الناقد الذوّاقة عبد القاهر الجرجاني.
فقد حاول الجرجاني (ت ٤٧١ هـ) بعبقريته الفذّة، أن يصحّح المفاهيم النقدية الخاطئة من قبله، والتي قامت على الفصل بين اللفظ والمعنى. فنظرت على ضوء هذه الثنائية بين اللفظ والمعنى، إلى حصر الصورة في الشكل دون المضمون. فقام الجرجاني بربط الصورة بالصياغة أو النظم، والصياغة عنده متحدة بالمعنى ولا تنفصل عنه، فأي تغيير في الصياغة يتبعه تغيير في الصورة، لأن الصورة تفهم من خلال «النظم» يقول الجرجاني: «ومعلوم أن
(٢٤) المصدر السابق: نفس الصفحة.